النبي والرسول: الفرق بين الصفتين وأهمية التمييز بينهما
النبوة والرسالة من الله تعالى، يختص بها رجالاً من خلقه، يسمون بالأنبياء والرسل، وهم أفضل…
Read moreلمّا بُويِع لهارون الرشيد بالخلافة: كان من أول أعماله أن قَلّد يحيى بن خالد البرمكي رئاسة الوزراء، وقال له: (قد قلّدتك أمر الرّعيّة، فأخرجته من عُنقي إليك، فاِحكم في ذلك بما ترى)، ودفع له خاتمٌ يَختم نيابة عنه، وكان ذلك إيذاناً بحكم البرامكة الفعلي، وفي ذلك يقول الشاعر:
ألم ترَ أنَّ الشمس كانت سَقيمة فلمّا وليَ هارونُ أشرقَ نورها
بِيَمِنِ أمينِ اللهِ هارونَ ذي النّدى فهارونُ واليها ويَحيى وزيرها
البطانة التي تحيط بالحاكم شأنها خطير؛ إن صَلُحتْ كان فيها صلاح الحاكم والعباد والبلاد، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ معها كلُّ شيء، كما حدث في قصة البرامكة مع هارون الرشيد.
جدُّ البرامكة هو بُرْمُك المَجوسي، كان خادماً لبيت النار، ومع الفتح الإسلامي، أعلن ابنه خالد الإسلام وصار أحد الدعاة للدولة العباسية، وصار يُمهّد لها في بلاد فارس، وتولّى المناصب في عهد أبي العباس السّفاح الخليفة الأول للدولة العباسية، وفي عهد أبي جعفر المنصور أيضاً.
كان يحيى بن خالد أشهر البرامكة، وعُرفَ بمهارته وحُسن إدارته للدولة، لذلك ولّاه الخليفة أبو جعفر المنصور، وارتفعت منزلته أكثر زمن الخليفة المهدي الذي عيّنهُ مُربّياً لابنه هارون الرشيد،
وكان الرشيد يدعوه يا أبتي؛ والسبب أن زوجة يحيى أرضعت هارون الرشيد مع ولدها الفضل، وكان ليحيى الفضلُ الكبير في الحفاظ لهارون الرشيد على ولاية العهد، التي كادت أن تذهب لجعفر بن الهادي.
وثق هارون الرشيد بيحيى بن خالد البرمكي لأنه:
لذلك فوّضه فقال: (يا أبَتِ، أنتَ أجلستني في هذا المجلس ببركتك وحسن تدبيرك، وقد قَلدْتُكَ أمر الرَّعية وأخرجته إليك)، فأصبح له سُلطة مُطلقة في إدارة الدولة، فتولّى أمور البلاد وبلغ شأناً عظيماً من الرئاسة والسلطة،
يُساعده أبناؤه: الفضل، وجعفر، وموسى، ومحمد، ولُقّبَ ابنه الفضل بالوزير الصغير، وابنه جعفر بالسلطان، وكانوا يسكنون قصر هارون الرشيد ويدخلون عليه دون استئذان.
أشرف البرامكة على تربية أولاد الخليفة هارون الرشيد:
فكان الفضل يُشرف على تربية الأمين بن هارون، وصار والياً للمشرق، واجتهد في إمارته وتفنّن بإدارته لها سَخياً بلغ الإسراف والتبذير، يحدث إبراهيم بن جبريل:
(عقد لي الفضل على منطقة سجستان، فلما حملت له خراجها فوهبها جميعاً لي، وزادني عليها 500 ألف درهم)، واستقبله الشعراء بعد عودته من بلاد الديلم، فأغدق عليهم 3 ملايين درهم، فكان لا يُفرّق بين أمواله وأموال الرعية من حيث الإنفاق.
أما جعفر فكان يُشرف على تربية المأمون، وكان الرشيد يحبُّ جعفراً فأبقاه عنده وولّاه الجزيرة ما بين النهرين دجلة والفرات، والشام وشمال إفريقيا، ففاق نفوذه حتى الرشيد نفسه، فكان يُشرف على القُضاة، والنظّر في المظالم، وعلى البريد، وعلى صَكّ العملة، إلى درجة وجد اسمه مكتوباً على بعض القطع النقدية في المشرق والمغرب أيام هارون الرشيد.
أساء البرامكة التّقدير في أمورٍ جعلت الخليفة هارون الرشيد يَتوجّس منهم، بعد أن منحهم هذه السلطات الواسعة ووثق بهم أكثر من اللازم، وتنوّعت تجاوزات البرامكة فطَالت: (السياسة، والمال، والأمن،
وأخيراً وصلت إلى العدل الذي هو أساس الملك)، فالدول تسقط بسب سوء الأخلاق، وأعظمها سوءً؛ هو الظلم، يقول ابن تيمية رحمه الله: (الدولة الكافرة تبقى إذا كانت عادلة، والدولة المسلمة تفنى إذا كانت ظالمة).
أوغل البرامكة في الاعتداء على كل من يمكن أن ينافس العباسيين على الحكم، وتجرؤوا على سفك دماء بَني عليّ بن أبي طالب، يقول العلّامة المؤرخ مصطفى جواد:
(إنَّ السبب الحقيقي وراء قضاء هارون الرشيد على البرامكة؛ تدبيرهم لقتل موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن الرشيد مُلحداً حتى لا يندم، ولا بليداً حتى لا ينتبه، ولا شَقيّاً حتى لا يتوب).
وصل الأمر إلى أن قام جعفر البرمكي بقطع رأس عبد الله الشهيد بن الأفطس، الذي كان قد سجنه الرشيد عنده، وأمر أن يكرمه ويُحسن إليه، فقدّم رأسه على طبق أمام الرشيد، أمّا الفضل، اِتخذ جُنداً من الأعاجم وسمّاهم العبّاسيّة، وبلغ عددهم 50 ألف رجل، وجعل ولائهم له شخصياً، وجاء لزيارة الرشيد على رأس 20 ألف منهم.
شاركوا في الصراع على ولاية العهد التي لم يحسمها الرشيد، فزبيدة بنت جعفر زوجة هارون الرشيد ترى ان ابنها محمد الأمين هو الأحق بالولاية، فهو الأكبر وهو من أبوين هاشميين.
أما البرامكة فكانوا يريدون المأمون لأنّ أمّه فارسية، ولمّا استقر أمر الرشيد على تولية ابنه الأمين سنة 175هـ؛ ظلّ البرامكة يُلحّون عليه 7 سنين حتى أصدر قرار: (تعيين المأمون ولياً للعهد بعد الأمين، إضافة لمنحه ولاية المشرق زمن الأمين، فقسّمت بذلك الخلافة).
كتب العالم محمد بن الليث رسالة إلى الرشيد يعظه ويقول: (إن يحيى بن خالد البرمكي لا يغني عنك من الله شيئاً، قد جعلته بينك وبين الله، فكيف أنت إذا وقفت بين يديه سبحانه:
فسَألك عمّا عَمِلت في عباده وبلاده، فتقول إني استكفيت يحيى بأمور عبادك، فهل تراها حجة تحتج بها أمام الله)، فلما اِطّلع يحيى على الرسالة؛ جعل يتهم ابن الليث في دينه حتى سجنه الرشيد.
استمرَّ نجمُ البرامكة 16 سنة، ثم عام 186هـ لمّا خرج الخليفة الرشيد إلى الحجّ، خرج معه الوزير يحيى بن خالد البرمكي وأولاده، وهناك طاف يحيى ببيت الله وتعلّق بأستار الكعبة وجعل يدعو: (اللهم ذنوبي جمّة عظيمة، لا يحصيها غيرك ولا يعرفها سواك،
اللهم إن كنت تعاقبني فاجعل عقوبتي في الدنيا، وإن أحاط ذلك بسمعي وبصري ومالي وولدي ولا تجعل عقوبتي في الآخرة)، وهنا معنى هام: عندما نُقيّم هؤلاء فنحن نحكم على عملهم وأدائهم في الدولة، بعيداً عن تدينهم بينهم وبين الله تعالى.
ما إن رجع الرشيد من الحج حتى أصدر القرارات فكانت (نكبة البرامكة):
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله ما بعث من نبيٍّ ولا استخلفَ من خليفة إلا ولَه بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، والمعصوم من عصم الله».
{إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ}.
زينة المُلك أن يكون جنود ووزراء المَلِك من ذوي الصلاح، ينظرون فيما يصلح الناس، ويمنعون الشرور عنهم، وفساد البطانة يتحمل وزره من قام بتعيينهم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فعلى الحاكم الصالح مرقبة وزراءه وأمراءه فيمنع: المحسوبية، والوساطة، وانتهاك المال العام، وانتهاك العدالة، فلا يظهر الاستبداد الذي هو عدوّ الحياة.
حاكمنا ممتاز ولكن بطانته هم السبب في كلّ المشاكل؟!
الجواب: إما هو ضعيف لا يستطيع إدارتهم، أو غافل لا يدري ما يفعلون، وفي الحالين: هو لا يصلحُ للحكم.
في الختام
قال ابن يحيى البرمكي لأبيه -وهما من البطانة التي انتهت في السجن-:
(يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال، قال: يا بُنيّ، دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليل، ونحنُ عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها).
وأخيراً، يمكنكم الإستفادة، والإطلاع على المزيد من المقالات:
القيادات المستقبلية و تذوق الجمال و صناعة الثورة والانقلاب عليها
قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الله ما بعث من نبيٍّ ولا استخلفَ من خليفة إلا ولَه بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، والمعصوم من عصم الله».
1- الورع والتقوى.
2- قلوب سليمة.
3- أيدي نظيفة.
4- كفاءة عالية.
هناك من يقول: حاكمنا ممتاز ولكن بطانته هم السبب في كلّ المشاكل؟!
الجواب: إما هو ضعيف لا يستطيع إدارتهم، أو غافل لا يدري ما يفعلون، وفي الحالين: هو لا يصلحُ للحكم.
قال ابن يحيى البرمكي لأبيه -وهما من البطانة التي انتهت في السجن-:
(يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال، قال: يا بُنيّ، دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليل، ونحنُ عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها).
جدُّ البرامكة هو بُرْمُك المَجوسي، كان خادماً لبيت النار، ومع الفتح الإسلامي، أعلن ابنه خالد الإسلام وصار أحد الدعاة للدولة العباسية، وصار يُمهّد لها في بلاد فارس، وتولّى المناصب في عهد أبي العباس السّفاح الخليفة الأول للدولة العباسية، وفي عهد أبي جعفر المنصور أيضاً.