أسس التربية السليمة للأطفال
في زحمة هذه الحياة، ومع دخول أجهزة الاتصال ومواقعه إلى بيوتنا، بتنا بحاجة أكبر إلى…
اقرأ المزيدكوكبة من النساء الخالدات، نساء تركن بصماتهنَّ: في العلم، وفي الأدب، وفي الجهاد، وفي الدعوة، وفي الخير، أينما نتلفتْ لا نجد الرجال فقط وإنما نجد النساء، وقفتنا هذه مع امرأة فريدة في التاريخ، قليلٌ ذكرها ولكنْ حُقّ لها أن يُخلّدها التاريخ، إنَّها “عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل“.
عاتكة “اسمٌ على مسمىً” ويعني: (المرأة الجميلة الصافية، المُحمرّة من الطِّيب)، يصفونها بأنّها ملكة جمال عصرها، كانت شاعرة عذبة الشّعر، لطيفة حسنة الخُلق، راجحة العقل واسعة المدارك، محبوبة بين الناس.
أبوها زيد بن عمرو بن نفيل، لم يدرك الإسلام، ومات قبل بعثة النبي ﷺ بخمس سنين، ومع ذلك قال رسول الله في حقّه: «يبعث زيد يوم القيامة أمّة وحده»، وفي حديث آخر: «رأيت زيد بن عمر بن نفيل يجرُّ أثوابه في الجنة»، لماذا؟
لأنه لم يتبع دين قومه في الجاهلية؛ وإنما ذهب يجوبُ الأرض باحثاً عن الحقيقة والدّين الحقّ، أراد النصرانية فرأى فيها الضلالة، ثم أراد اليهودية فرأى فيها غضب الله، واستمر في بحثه عن دين فيه رضا الله عزّ وجل،
حتى وصل إلى الحنيفة دينُ إبراهيم عليه السلام دينُ التوحيد، إلا أنَّ شريعته قد اندثرت فلم يعرف كيف يعبد الله، ثم عاد إلى مكة يدعو قومه إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك بالله.
أخوها سعيد بن زيد، صحابي جليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلمت عاتكة على يديه، وكانت زوجته فاطمة أخت الفاروق عمر بن الخطاب التي أسلم عُمَرُ على يديها.
أسملت عاتكة بمكة، ولمّا هاجرت إلى المدينة كان أوّل الخُطّاب وأحرصهم عليها: “عبد الله بن أبي بكر الصديق” رضي الله عنه، فقد كان شابًّا وسيمًا خلوقًا راجح العقل، كان يأتي رسول الله بأخبار قريش وهو في الغار، وفعلاً تمَّ هذ الزواج المبارك، فأحبّها وأحبّته حُبّاً عظيمًا.
الحبُّ والعلاقة العاطفية بين الزوجين يشجعها الإسلام وينمّيها، بشرط أن تكون سبباً في دعم الدين وليس للانحراف عنه، وهذا ما حصل مع “عبد الله” حيث انشغل بحبّه عن الجهاد والعمل والتجارة، ثم في يوم جمعة انشغل بها عن الصلاة، فأمره أبوه أبو بكر الصديق أنْ يطلقها، فاستجاب لأبيه وهو كاره.
بعد ذلك اشتعل الحبّ من جديد في قلبه، كيف يطلقها؟ كيف له أنْ يعيش من غيرها؟
سبحان الله إذا ملأ الحبُّ القلب هام به صاحبه، وفي ليلة سمع أبو بكر ابنه “عبد الله” يئنُّ وينشدُ هذه الأبيات:
أَعَاتِـكُ لَا أَنْسَاكِ مَـا ذَرَّ شَارِقٌ وَمَا نَاحَ قَمَرِيُّ الحَمَامِ المُطَـوَّقُ
أَعَاتِـكُ قَلْبِي كُــلَّ يَــوْمٍ ولَـيْــلَةٍ إِلَيكِ بِمَــا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّــقُ
لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ ومَنْصبٌ وَخَـلْقٌ سَوِيٌّ فِي الحَيَاءِ مُصَدّقُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَــوْمَ مِثْلَهَا وَلَا مِثْلُهَــا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلّـَقُ
هنا رقّ أبوه أبو بكر الصديق لحاله وكان غرضه أن يربّيه، فناداه وأمره أنْ يُراجع “عاتكة”، فطار صوابه فرحًا وأعتق خادمه لوجه الله فرحًا ثم أنشد:
أَعَاتِكُ قَدْ طُلِّقْتِ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ وَرُجِعْتِ لِلأَمْرِ الَّذِي هُوَ كَائِنُ
كَذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ عَلَى النَّاسِ فِيهِ أُلْفَةٌ وَتَبَايُنُ
وَمَا زَالَ قَلْبي لِلَّتفَرُّقِ طَائِرًا وَقَلْبِي لِمَا قَدْ قَرَّبَ اللَّهُ سَاكِنُ
لِيَهْنَكِ أَنِّي لَا أَرَى فِيهِ سخْطَةً وَأَنَّكِ قَدْ تَمَّتْ عَلَيكِ المحَاسِـنُ
وَأَنَّكِ مِمَّنْ زَيَّنَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلَيْسَ لِوَجْهٍ زَانَهُ اللَّهُ شَائِنُ
دين الله لا يعزلنا عن بشريتنا وعواطفنا، ولكنّه يرفعنا إلى السمو في الأدب، شعرُ “عبد الله” عذريٌ راقٍ بعيد عن الشهوات والغرائز، وتعلّم الزوجان الدرس فعاد البيت لألقه مع الالتزام بحقوق الله.
اشترك “عبد الله” في الغزوات ومنها فتح مكة وغزوة حنين، وفي الطائف أصيب بسهم في كتفه فعولج من جرحه، ولكنه التهب عليه وقبل وفاته وهب بساتينه لزوجته، واشترط عليها ألا تتزوج بعده؛ لتكون زوجته في الآخرة، ثم توفي رحمه الله، فرثته زوجه “عاتكة” حزناً:
رُزِئْتُ بِخَيرِ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَمَا كَانَ قَصَّرَا
فَلِلَّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى مِثْلَهُ فَتًى أَكَرَّ وَاحْمَى فِي الهَيَاجِ وَأَصْبَرَا
إِذَا شُرِعَتْ فِيهِ الأَسِنَّةُ خَاضَهَا إِلَى المَوْتِ حَتَّى يُتْرَكُ الرُّمْحُ أَحْمَرَا
فَآليتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي حَزِينَةً عَلَيكَ وَلا يَنَفَكُّ جِلْدِي أَغْبَرا
مدى الدّهر ما غنت حمامة أيكة وما طرد الليل الصباح المُنوّرا
لمّا توفي رسول الله ﷺ حزت عليه وبكتهُ قائلة:
وأمْسَتْ نساؤك ما تستفيق من الحزن يعتادها دينها
يُعالجنَ حزنا بُعَيْدَ الذّهاب وفي الصَّدر مكتنع حينها
فكيفَ حياتي بعدَ الرسولِ وقد حانَ مِنْ مِيْتةٍ حينها
كان من عادة العرب ألا يتركوا امرأة أرملة وحدها، وخاصة أصدقاء المتوفى، فكيف إذا كانت جميلة وذات مكانة وعقل راجح، فبدأ الخُطّاب يأتون إلى عاتكة فكانت ترفضهم؛ لمكانة عبد الله لديها، بالإضافة لوعدها له وهديته لها، إلى أن جاءها خليفة المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب فَصَعُب عليها وقالت:
(مثلك لا يردّ ولكني وعدتُّ عبد الله)، فأجابها عمر: (إنك قد حرّمت ما أحلّ الله لك فاستفتي)، ولأن المسألة تتعلق بعمر فإنها ذهبت تستفتي قاضي المسلمين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فأفتاها أن تعيد البستان لأهل زوجها عبد الله، ثم تتزوّج الفاروق، فوافقت ولكنها اشترطت على سيدنا عمر:
وفعلاً تمّ الزواج وعاشت عاتكة مع الفاروق حياة طيبة، وكانت شديدة التعلّق بالعبادة والمسجد، حتى جاء ذلك اليوم الذي طعن فيه الفاروق وجيء به مطعوناً إلى بيتها، فجعلت تطببه وتقول:
فَجَّعَني فَيروزُ لا دَرَّ دَرُّهُ بِأَبيَضَ يَتلو المُحكَماتِ مُنيبِ
رَؤوفٍ عَلى الأَدنى غَليظٍ عَلى العِدى أَخي ثِقَةٍ في النائِباتِ نَجيبِ
مَتى ما يَقُل لا يَكذِبُ القَولَ فِعلُهُ سَريعٍ إِلى الخَيراتِ غَيرَ قَطوبِ
لمّا توفي الفاروق نعته عاتكة فقالت:
عين جودي بعبرة ونحيب لا تملي على الجواد النجيب
فجعتني المنون بالفارس المعلم يوم الهياج والتثويب
عصمة الله والمعين على الدهر وغيث المَحرومِ والمَحْرُوب
قل لأهل الضرّاء والبؤس موتوا قد سقته المنون كأس شَعُوب
عاشت حياتها بين بيتها والمسجد، وكانت تبكي حالها:
منعَ الرقادَ فعادَ عينيَ عودُ مـمّـا تـضـمّـن قـلبيَ المعمودُ
يـا ليـلةً حُسبتْ عليّ نُجومها فَـسـهـرتُهـا وَالشامِتونَ هجودُ
قَـد كـانَ يسهرني حذاركَ مرّةً فَـاليـومَ حقّ لعينيَ التسهيدُ
أَبكي أَميرَ المؤمنينَ ودونهُ لِلزائِريــن صــفـائحٌ وصـعـيـدُ
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول: (مَنْ أرادَ الشّهادة فليتزوّج بعاتكة بنت نفيل).
عاد الخُطّاب يطلبون عاتكة رضي الله عنها فترفضهم، حتى جاءها عظيم جديد من عظماء المسلمين، وهو الزبير بن العوّام حواري رسول الله، وبعد اِلحاح وتوسّط وافقت عاتكة، وعاشت معه حياة سعيدة فقد كان غنيّاً واسع الأموال بخلاف عمر وزهده، ولكنه كان أيضًا شديد الغيرة ولكنها اشترطت عليه ذات الشروط فوافق على مضض،
ثم إنه قام بحيلة أجبرها بها على عدم الذهاب إلى المسجد، ذلك أنه اختبأ لها في طريقها إلى المسجد فلما مرّت به ضربها على عجيزتها وهو مُلثم، فعادت إلى البيت منزعجة وهي تقول: (إنا للَّه! فسد النّاس!) فلم تخرج بعد ذلك.
ثم لمّا كانت موقعة الجمل التي شارك فيها الزبير، وقد قتله عمرو بن جرموز غيلة بعد أنْ كان قد تركَ القتال، فلمّا وصلها الخبر رثته قائلة:
غَدَرَ ابْنُ جرْمُوزٍ بِفَارِسِ بُهمَةِ يَوْمَ اللِّقَاء وكَانَ ِغَيْرَ مُعَرّدِ
يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لوَجَدْتَهُ لَا طَائِشًا رَعْشَ الجَنَانِ وَلَا الْيَدِ
شُلّت يمينك إنْ قتلت لمسلماً حلّت عليك عقوبة المتعمّدِ
إنَّ الزُّبيرَ لذُوْ بلاءٍ صَادقٍ سَمْحٌ سَجِيّتُهُ كريمُ المَشْهَدٍ
فاذهبْ فما ظفرَتْ يداك بمثلهِ فيمنْ مَضى مِمَّنْ يَرُوحُ ويَغتدي
بعد ذلك شعرت أنها شؤمٌ على الرجال، فعزمت على التوقف عن الزواج، ولكن تقدّم لها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالت:
(يا ابن عمّ رسول الله ﷺ مثلك لا يرد، لكنّي أضنُّ بك عن القتل)، فلم يُلحّ رضي الله عنه فتركها، ثم مات مقتولاً، وتمضي الأيام ويأتها الحُسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، فتجيبه كما أجابت أباه، فيخبرها أنه يريدها لينال الشهادة.
وتتزوج عاتكة من الحسين وتتسارع الأحداث فتحصل الفتنة الكبرى، ويخرج الحسين في سبيل الحقّ، وتحدث الفاجعة باستشهاده أمام عيني عاتكة في كربلاء، فبكته قائلة:
واحسيناً فلا نسيت حسيناً أقـصـدته أسـنَّـة الأعــداءِ
غـادروه بكربلاء صريعاً جادت المُزنُ في ثرى كربلاء
ثم مات عاتكة بعده بفترة قصيرة.
رحم الله عاتكة.. زوجةُ الشهداء.. منافسةُ الشعراء.. قدوة ومثل لبناتنا في كل زمان
تزوجت عاتكة بنت زيد بالترتيب:
1- عبد الله بن أبي بكر الصديق
2- الفاروق عمر بن الخطاب
3- الزبير بن العوام
4- الحسين بن علي
تزوجت عاتكة بنت زيد 4 مرات
المرأة التي تزوجت أربعة من الصحابة ماتوا شهداء جميعا هي: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
عاتكة اسم يعني: (المرأة الجميلة الصافية، المُحمرّة من الطِّيب).
أبوها زيد بن عمرو بن نفيل، لم يدرك الإسلام، ومات قبل بعثة النبي ﷺ بخمس سنين، ومع ذلك قال رسول الله في حقّه: «يبعث زيد يوم القيامة أمّة وحده».
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات: