التسامح مفتاح خير عظيم
يُعلمنا الإسلام التسامح مع الناس عندما يُسيئون إلينا، فيجعلُ مَقصدنا الأسمى في حركاتِنا وسكناتنا رضا الله تعالى، فنحنُ نُعطي لنعالجَ أنفُسنا من الشحّ، ونبذلَ ابتغاَء ما عند الله من الدرجاتِ العُلى
اقرأ المزيدأمتنا الإسلامية غنية بالرجال العظام، المبدعين والقدوات في كل ميدان، نقف لنتعرف على أحد هؤلاء القامات، إنه الإمام الأوزاعي “الإمام الحافظ الفقيه المحدّث، أحد تابعي التابعين وإمام أهل الشام في زمانه، إمام لبنان وسائر الشَّام والمغرب والأندلُس”.
إنّ التعرّف على حياة هذا العالِم الجليل ومعرفة أسباب نبوغه وعلمه، هو استشفاف لنموذج فريد لرجل أنجبه الإسلام العظيم. فمن هو؟ وكيفَ نشأ وتعلّم؟ وما أسبابُ نبوغه في علمه؟
هو عبد الرحمن بن عمرو، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، أبو عمرو الأوزاعي.
ولد عام(88هـ) في بعلبك، ونشأ في البقاع، وبقي آخر عمره في بيروت مرابطًا بها إلى أن مات.
ولد يتيمًا فقيرًا في حجر أمه، قال “ابن كثير”: (نشأ الأوزاعي بالبقاع يتيمًا في حجر أمه، وكانت تنتقل به من بلد إلى بلد، وتأدب بنفسه، فلم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار وغيرهم أعقل منه، ولا أورع ولا أعلم، ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم، ولا أكثر صمتًا منه).
قال “العباس بن الوليد”: (فما رأيت أبي يتعجب من شيء في الدنيا، تعجبه من الأوزاعي، كان يقول: سبحانك تفعل ما تشاء! كان الأوزاعي يتيمًا فقيرًا في حجر أمه، تنقله من بلد إلى بلد، وقد جرى حكمك فيه أن بلّغته حيث رأيته،
يا بني، عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكا قط حتى يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد، أقول في نفسي: أترى في المجلس قلب لم يبك!).
من جوانب العظمة: التوازن عند الإنسان، يقولون: جمع الأوزاعي في عبادته لربه، بين شتى أنواع العبادة (الإخلاص، والنصح للمسلمين، ورقة القلب، ودفق في العين (سريع البكاء)، حتى صارت كل حياته عبودية خالصة، امتثالًا لأمر الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
كان الأوزاعي لقربه من عهد الصحابة يوصي بهم خيرًا، فيقول: (عليك بآثار مَن سلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم).
قال “بقية بن الوليدِ”: قال لي الأَوْزاعي: (يا بقية، لا تذكر أحدًا من أصحاب نبيك إلا بخير، يا بقية، العلمُ ما جاء عن أصحاب محمد ﷺ، وما لم يجِئْ عنهم، فليس بعلم).
ويقول أيضًا: (اصبر نفسك على السنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقُلْ بما قالوا، وكُفَّ عما كفوا عنه، واسلُكْ سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسَعُك ما وسعهم، ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم القول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية موافقةً للسنة).
وصل الأوزاعي في عبادته، إلى مرحلة نافس فيها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم:
كان الأوزاعي من أكرم الناس وأسخاهم، وكان له في بيت المال على الخلفاء إقطاع، فصار إليه من بني أمية وبني العباس نحو من (70) ألف دينار، فلم يقتنِ منها شيئًا، كان ينفقها في سبيل الله، وفي الفقراء، ولا ترك يوم مات سوى (7) دنانير.
قال “العباس بن مزيد”: سمعت أصحابنا يقولون: (صار إلى الأَوْزاعي أكثر من سبعين ألف دينار، يعني من السلطان من بني أمية وبني العباس، فلما مات ما خلف إلا سبعة دنانير بقية من عطائه، وما كان له أرض ولا دار)، قال “العباس”: (نظرنا فإذا هو أخرجها كلها في سبيل الله والفقراء).
كنز العلم ونبع الحكمة، يقول “ابن كثير”: (ساد أهل زمانه في بلده وفي سائر البلاد)، في الفقه، والحديث، والمغازي، وغير ذلك من علوم الإسلام.
روى عنه: “مالك”، و”شعبة”، و”الثوري”، و”ابن المبارك“، و”ابن أبي الزناد”، و”عبد الرزاق”، و”محمد بن حرب”، وخلق كثير.
وروى عنه من شيوخه: “الزهري”، و”يحيى بن أبي كثير”، و”قتادة”، وغيرهم.
يعد الإمام الأوزاعي أحد الفقهاء الأعلام الذين أثَّرُوا في مسِيرة الفقه الإسلامي، خَاصَّةً في بلاد الشام والأندلس. قال الحافظ “ابن كثير”: (وقد بقي أهل دمشق وما حولها من البلاد على مذهبه نحوًا من مئتين وعشرين سنة).
قال “موسى بن يسار”: (ما رأيت أحدًا له قدرة على المناظرة والدفاع عن الإسلام من الأوزاعي).
أما عن مذهبه فقد كان يتبع منهج النقل وليس العقل ويتضح مما رواه الأوزاعي عن “مكحول الشامي” في قوله:
يذكر “أبو زرعة الدمشقي” في تاريخه بسنده عن “الهِقْل بن زياد” الدمشقي تلميذ الأوزاعي: (أن الأوزاعي أجاب في سبعين ألف مسألة).
أما المدوَّن منها، ينقل “ابن عساكر” عن “أبي زرعة الرازي” قوله: (بلغني أنه دون عنه ستين ألف مسألة).
يكفي لبيان مكانته العلمية ترجيح الإمام “مالك بن أنس” فتوى للأوزاعي على فتواه هو نفسه:
كان الأوزاعي سيفًا مسلطًا على المنكر، وكانت له مواقف مع الظلمة، الذين نالوا من أصحاب النبي عليه السلام، أو تكلموا في سنته.
لما دخل “عبد الله بن علي” (عم الخليفة أبي العباس السفاح) دمشق، وسلب الملك من بني أمية، طلب الأوزاعي، فتغيب عنه ثلاثة أيام، ثم أحضر بين يديه:
قال الأوزاعي: دخلت عليه وهو على سرير، وفي يده خيزرانة، والمسودة عن يمينه وشماله، معهم السيوف مصلتة، والعمد الحديد، فسلمت فلم يرد، ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده.
ثم قال: يا أوزاعي، ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة، أرباط هو؟، فقلت: أيها الأمير، سمعت عن عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
قال: فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يعضون أيديهم، ثم قال: يا أوزاعي، ما تقول في دماء بني أمية؟، فقلت: قال رسول الله ﷺ: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، فنكت أشد من ذلك.
ثم قال: ما تقول في أموالهم؟، فقلت: (إن كانت في أيديهم حرامًا، فهي حرام عليك أيضًا، وإن كانت لهم حلالًا، فلا تحل لك إلا بطريق شرعي)، فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك.
ثم قال: ألا نوليك القضاء؟، فقلت: (إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤوني به من الإحسان)، فقال: كأنك تحب الانصراف؟، فقلت:
(إن ورائي حرمًا (أي نساء)، وهم محتاجون إلى القيام عليهم وسترهم)، قال: (وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف، فلما خرجت إذا رسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار)، فقال: يقول لك الأمير: أنفق هذه، قال: (فتصدقت بها).
وكان في تلك الأيام الثلاثة صائمًا طاويًا، فيقال: إنّ الأمير لما بلغه ذلك، عرض عليه الإفطار عنده، فأبى أن يفطر عنده رحمه الله.
توفي رحمه الله تعالى سنة (157هـ)، يقول “ابن كثير”: ولا خلاف أنه مات مرابطًا في سبيل الله، وعمره (79 عاما).
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
قصص الصحابة و الأئمة الأربعة و قصص التابعين والمبدعون
ولد ع في بعلبك، ونشأ في البقاع، وبقي آخر عمره في بيروت مرابطًا بها إلى أن مات
كان من التابعين، كان الأوزاعي لقربه من عهد الصحابة يوصي بهم خيرًا.
"مالك"، و"شعبة"، و"الثوري"، و"ابن المبارك"، و"ابن أبي الزناد"، و"عبد الرزاق"، و"محمد بن حرب"، وخلق كثير.
أجاب في سبعين ألف مسألة.
أما المدوَّن منها، ينقل "ابن عساكر" عن "أبي زرعة الرازي" قوله: (بلغني أنه دون عنه ستين ألف مسألة)
كان سيفًا مسلطًا على المنكر، وكانت له مواقف مع الظلمة، الذين نالوا من أصحاب النبي عليه السلام، أو تكلموا في سنته