ذو القرنين والخلاف حول هويته
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - جديدنا

بعد حديث الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف عن رحلة موسى مع الخضر، وما انطوت عليه من عجائب وآيات، وما تفتقت عنه من فوائد وثمرات، وما أسفرت عنه من عبرٍ وعظاتٍ،

يأتي الحديث عن قصةٍ أخرى عجيبة، قصة ذلك الرجل الصالح الذي مكن الله له، وهيأ له الأسباب فأخذ بها، واجتهد في استثمارها وتطويرها، فطوّف في الأرض، وجال في أقطارها، قائدًا ظافرًا، وحكمًا عادلًا، وسلطانًا قويًا، وعبدًا شكورًا، فملأ الدنيا عدلًا ونورًا.

وقد طاف موسى عليه السلام طلبًا للعلم النافع، وطاف الخضر بأمر الله تعالى حاملًا لواء الجهاد وراية الإصلاح والتغيير، وطاف ذو القرنين بجنده وعتاده، لينشر العدالة في ربوع الكون، ويبلغ دعوة الحق، ويصحح المفاهيم، ويقيم الموازين القسط، ويرسخ القيم الأصيلة، والأخلاق الفاضلة.

ذو القرنين في القرآن الكريم

قال الله سبحانه في قصة ذو القرنين:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا (83)  إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا (84)  فَأَتۡبَعَ سَبَبًا (85)   حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا (86)   قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوۡفَ نُعَذِّبُهُۥ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِۦ فَيُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا نُّكۡرٗا (87)

وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرٗا (88)  ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا (89)  حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطۡلِعَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَطۡلُعُ عَلَىٰ قَوۡمٖ لَّمۡ نَجۡعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتۡرٗا (90)  كَذَٰلِكَۖ وَقَدۡ أَحَطۡنَا بِمَا لَدَيۡهِ خُبۡرٗا (91)  ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا (92)  حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ بَيۡنَ ٱلسَّدَّيۡنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوۡمٗا لَّا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ قَوۡلٗا (93)

قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا (94)  قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيۡرٞ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجۡعَلۡ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُمۡ رَدۡمًا (95) ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا (96)

فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا (97)  قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا (98)  ۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا  (99) }.

ذو القرنين في كتب التفسير

أولاً: خبر ذي القرنين لم يصح فيه غير ما ذكره الله تعالى في كتابه وقصه علينا من خبره في سورة الكهف في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 83-84].

إلى آخر قصته وفي ذلك غنية وبغية، وأما ما أفاض فيه أهل التفسير والتاريخ في خبره فإنه مما يستأنس به ولا يمكن القطع بشيء منه.

ثانياً: ذكر المفسرون أن سبب تلقيب ذي القرنين بهذا اللقب هو: أنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرنها من مغربها، فسمي لذلك ذا القرنين.

وقيل: لأنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قروناً.

وقيل: كان له قرنان تحت عمامته، وقيل غير ذلك.

ولا يخفى أن هذه التفسيرات لم يقم على واحد منها دليل يجب الأخذ به – فيما نعلم – وبالتالي فإن الأمر يظل أمراً غيبياً.

نستعرض الآن بعض التفاسير التي تتحدث عن ذي القرنين

  • تفسير القرآن العظيم لابن كثير:

بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف.

  • وقد أورد ابن جرير هاهنا، والأموي في مغازيه، حديثا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، أن نفرا من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين؟، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء!، فكان فيما أخبرهم به:

    أنه كان شاباً من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقواماً وجوههم مثل وجوه الكلاب، وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.

والعجب أن أبا زرعة الرازي، مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة، وذلك غريب منه:

إذ فيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم.

فأما الأول: فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام، أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان معه الخضرعليه السلام، وقد ذكرنا طرفا من أخباره في كتاب ” البداية والنهاية ” ، بما فيه كفاية ولله الحمد .

وأما الثاني فهو: إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم، وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو من (300 سنة).

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي

قوله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً}، قال ابن إسحاق: وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضاً إلا سلط على أهلها، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق.

وذكر الدارقطني في كتاب الأخبار: أنَّ ملكاُ يُقال له “رباقيل” كان ينزل على ذي القرنين، وذلك الملك هو الذي يطوي الأرض يوم القيامة، وينقضها فتقع أقدام الخلائق كلهم بالساهرة -فيما ذكر بعض أهل العلم-.

اسم ذو القرنين

اختلف في اسم ذي القرنين، وفي السبب الذي سمّي به بذلك اختلافاً كثيراً.

الاختلاف في اسمه

  • فقيل: هو الإسكندر المقدوني الملك اليوناني، وقد تشدد قافه فيقال: المقدوني.
  • وقيل: اسمه هرمس، ويقال: اسمه هرديس، وقال ابن هشام: هو الصعب بن ذي يزن الحميري من ولد وائل بن حمير، وقد تقدم قول ابن إسحاق.
  • وذكر الطبري حديثا عن النبي – عليه الصلاة والسلام – أن ذا القرنين شاب من الروم، وهو حديث واهي السند، قاله ابن عطية.
  • قال السهيلي: والظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان:
  • أحدهما: كان على عهد إبراهيم عليه السلام، ويقال: إنه الذي قضى لإبراهيم عليه السلام حين تحاكموا إليه في بئر السبع بالشام
  • والآخر: أنه كان قريباً من عهد عيسى عليه السلام، وقيل: إنه “أفريدون” الذي قتل بيوراسب بن أرونداسب الملك الطاغي على عهد إبراهيم عليه السلام، أو قبله بزمان

الاختلاف في السبب الذي سمي به

  1. فقيل: إنه كان ذا ضفيرتين من شعر فسمي بهما، ذكره الثعلبي وغيره، والضفائر قرون الرأس.
  2. وقيل: إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس، فسمي بذلك ذا القرنين.
  3. وقيل: إنما سمي بذلك لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا.
  4. وقالت طائفة: إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين أو قرني الشيطان بها.
  5. وقال وهب بن منبه: كان له قرنان تحت عمامته.
  6. وقيل: إنما سمي ذا القرنين لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت شريف من قِبَل أبيه وأمه.
  7. وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي.
  8. وقيل: لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعاً.
  9. وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر والباطن.
  10. وقيل: لأنه دخل الظلمة والنور.
  11. وقيل: لأنه ملك فارس والروم.

أقوال العلماء المسلمين

  • قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كان ذو القرنين ملكًا صالحًا، رضي الله عمله، وأثنى عليه في كتابه” [البداية والنهاية: 2 /103].
  • قال أبو الطفيل: سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين: أكان نبياً أم ملكاً؟ قال: (لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولكن كان عبداً أحب الله وأحبه الله، ناصح الله فناصحه الله).
  • ذكر القرطبي قولاً منسوباً إلى عمر: تسميتم بأسماء النبيين فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة، ونقل مثله عن علي ولم يحكم عليه، ولو صح لاحتمل أن من الملائكة من اسمه ذو القرنين، وليس ذا القرنين المذكور في القرآن ملك من الملائكة.
  • قال وهب بن منبه: كان ملكا، وإنما سمي ذا القرنين: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس، وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين.
  • قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين، فقال: (كان عبداً ناصح الله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين)، وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل، سمع علياً يقول ذلك.
  • ويقال: إنما سمي ذا القرنين: لأنه بلغ المشارق والمغارب، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب .

صفات ذو القرنين

  1. التوحيد: كان رجلاً مؤمناً فيه صفات التوحيد والعطف، ولم ينحرف عن طريق العدل، ولهذا السبب شمله اللطف الإلهي الخاص، فهيأ الله له أسباب القوة ومقدمات الانتصار، وجعلها تحت تصرفه وفي متناول يده.
  2. مثالاً للحاكم الصالح: ناصراً للمحسنين، وعدواً للظالمين، ولم يكن يرغب أو يطمع بمال الدنيا.
  3. مثالاً في تفوق الصناعة: ومثالاً للمهندس البارع صاحب أعرق النظريات في البناء والتشييد، حيث صنع واحداً من أهم وأقوى السدود في التاريخ، وقد استفاد في صنعه من الحديد والنحاس بدلاً من الطابوق والحجارة، حيث تمكن من بناء هذا السد ‏من زُبر الحديد، حتى يحول به بين شعوب يأجوج ومأجوج والأمم المعذّبة، فكان سداً عظيماً لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
  4. عمق النظر عنده والفهم السديد لديه: نلمس ذلك من أمرين:
  • الأول: لو رضي بأخذ المال من القوم لربما لن يندفع القوم للمساعدة والعون (أعينوني بقوة)، بحجة أنهم بذلوا ما يملكون مقابل القيام بالسد فلم إذاً يساعدوه.
  • الثاني: فضّل الردم على السد (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)، والفرق: أن السد مجرد حاجز بين شيئين فحسب، أما الردم: ففيه زيادة قوة وصلابة ومنعة.

التواضع والأدب مع حضرة الله: إذ تراه بعد انتهاء البناء للسد العظيم يبتعد عن الفخر والخيلاء، ثم قال بأدب كامل هذا العمل إنما هو رحمة من الله وإلهام الله لي، وليس من جهدي الشخصي – كما ذكر القرآن {قال هذا رحمة من ربي}.

الخلاف حول هوية ذو القرنين

الإسكندر الأكبر

ذو القرنين المذكور في القرآن، ليس هو الإسكندر المقدوني، قال ابن تيمية: وكان أرسطو قبل المسيح بنحو (300) سنة، وكان وزير الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرّخ له اليهود والنصارى التأريخ الرومي،

وكان قد ذهب إلى أرض الفرس، واستولى عليها، وطائفة من الناس تظن أنه كان وزير الإسكندر ذي القرنين المذكور في القرآن، وهذا جهل، فإن ذا القرنين كان مقدمًا على أرسطو بمدة عظيمة.

وقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام، أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر عليه السلام، وذكره البخاري قبل ترجمة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: وفي ذلك إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني؛ لأن الإسكندر كان قريبًا من زمن عيسى، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من (2,000 سنة)،

وشبهة من قال: إن ذا القرنين هو الإسكندر: ما رواه ابن جرير -بإسناد فيه ابن لهيعة- أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فقال: كان من الروم، فأعطي ملكًا، فسار إلى مصر، وبنى الإسكندرية. إلى آخره. وهذا لو صحّ؛ لدفع النزاع، ولكنه ضعيف. هذا خلاصة كلام الحافظ في الفتح.

إذا ذو القرنين كان مسلمًا يعبد الله وحده، لم يكن مشركًا، بخلاف المقدوني. وذو القرنين بلغ أقصى المشرق والمغرب، وبنى سد يأجوج ومأجوج، كما ذكر الله في كتابه، والمقدوني لم يصل لا إلى هذا، ولا إلى هذا، ولا وصل إلى السد، اهـ.

كورش الكبير

هو أول ملوك فارس “560 – 529 ق م” واسمه كورش بن كمبوجية بن كورش ابن جيشبيش بن هخامنش، أحد أعظم ملوك الفرس الأخمينية.

استولى على آسيا الصغرى وبابل وميديا، وحكم من “550-529 ق.م”، وقـُتل في “ماساجت” ودُفن في باساركاد.

في البداية احتل الكثير من الممالك المجاورة، مثل “ليديا” في غرب تركيا الآن، وميديا وبابل التي أطاح بها في عام (539 ق.م).

وهو من أسرة فارسية ظهر في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، في وقت كانت فيه بلاده منقسمة إلى دويلتين تقعان تحت ضغط حكومتي: بابل وآشور القويتين، فاستطاع توحيد الدولتين الفارسيتين تحت حكمه، ثم استطاع أن يضم إليها البلاد شرقاً وغرباً بفتوحاته التي أشار إليها القرآن الكريم،

وأسس أول إمبراطورية فارسية، وحين هزم ملك بابل سنة (538 ق.م)، أتاح للأسرى اليهود فيها الرجوع لبلادهم، مزودين بعطفه ومساعدته وتكريمه.

ولكن لا يمكن أن يكون كورش الكبير هو ذو القرنين لأن شخصية كورش الكبير لا تنطبق مع الصورة التي رسمها القرآن لذي القرنين كقائد مؤمن مجاهد يحارب في سبيل الله، كذلك لم يُدعى قط كورش بلقب ذي القرنين، وأن كورش زردشتي حسب الآثار والنقوش التي تعود لعصره،

ولا يوجد دليل على توحيده، فحسب أسطوانة كورش الشهيرة والتي كتبت بأمره بعد غزوه لبابل وتحريره لليهود، ذُكر فيها أن كبير آلهة قدماء البابليين “مردوخ” أرسل “قورش” ليخلصهم من حكم الملك البابلي “نبو نيد”.

ملك من ملوك حميَر

قال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط: اعلم أن التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن اسمه الصّعب بن الحارث، وأنه ملك من ملوك حمير، وهم العرب العاربة، ويقال لهم أيضًا:

العرب العرباء، وقد غلط من ظن أن الإسكندر هو ذو القرنين الذي بنى السّدّ؛ فإن لفظة: «ذو» عربية، وذو القرنين من ألقاب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني، وبسط الكلام على ذلك.

ويقول أبو الريحان البيروني في كتاب ” الآثار الباقية عن القرون الخالية “: إنّ ذا القرنين المذكور في القرآن كان من حمير مستدلا باسمه، فملوك حمير كانوا يلقبون بذي: كذي نواس وذي يزن، وكان اسمه أبو بكر بن افريقش، وأنه رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمرّ بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه.

ذو القرنين في اليهودية

يذهب بعض اليهود إلى أن ذا القرنين هو قورش الأخميني الفارسي مؤسس الامبراطورية الفارسية، والذي خلص اليهود من الأسر البابلي.

ويقول اليهود إنه مذكور عندهم في التوراة، فاليهود امتدحوا قورش كثيراً في أسفارهم لكونه مخلصهم من الأسر البابلي، فأضافوا إليه صفات كثيرة جعلته في مراتب الأنبياء، مع أن نبوخذ نصر نفسه آمن بإله اليهود -كما عند بعض نصوص دانيال- الذي صوره بصور مضطربة ومتناقضة،

وقال دانيال إنّ “نبوخذ نصر” نادى في جميع مملكته باحترام وتعظيم دانيال ومن معه وأن إلهه إله الحق، كما قال عزرا وأشعياء في سفريهما عن قورش.

لكن نهاية قورش تدحض وتتناقض مع صفات التمكين له في الأرض التي ذكرها القرآن في صفات ذي القرنين، “حيث كانت نهايته هزيمة أمام قبائل “الساكا” البربرية خلف نهري سيحون وجيحون، في أواخر سنة 530 قبل الميلاد”.

ونعود هنا إلى سؤال وتحدي اليهود للرسول -صلى الله عليه وسلم- عن طريق وفد قريش، فاليهود حينما سألوا الرسول لم يسألوا عن “ذي القرنين” وإنما سألوا سؤالاً عاماً دون أية مواصفات، فقد سألوا فقط عن “الرجل الطواف”، والقرآن هو الذي سماه “ذا القرنين” وفصل في أمره ما فصل.

من المعلوم أن التوراة أنزلت على موسى -عليه السلام- وإن كان ذو القرنين قد ذكر في التوراة، فإن بقيت على حالها أو بعض منها؛ فإن قصة ذي القرنين مروية في هذه المخطوطات من الزمن القديم.

ومعلوم أنّ موسى -عليه السلام- لا يقل زمانه عن 1400 سنة قبل الميلاد؛ لأن المؤرخين والآثاريين يذكرون سليمان -عليه السلام- أنه كان في القرن التاسع قبل الميلاد، وبين موسى وسليمان 500 عام كما يروى، وقد يكون فعلاً ذو القرنين قد عاصر إبراهيم -عليه السلام- وورث ملك نمرود الذي تحطم في عهد إبراهيم.

ذو القرنين وقوم يأجوج ومأجوج

حوار ذو القرنين مع القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً

  • قال الله سبحانه في قصة {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا}، قال بعض العلماء: إنّ اللغة التي يتكلمون بها في ذلك المكان لغة عجيبة، فاحتاج لمترجم، وهذا المترجم يحتاج لمترجم آخر حتى وصلت سلسلة الترجمة إلى (30) مترجم حتى يفهمهم ذو القرنين وهذا المراد من قول الله تعالى {لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا}.
  • فقالوا لذي القرنين:{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}؟
  • {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} يقصد أنه لم يأت طالباً شيئا من متاع الدنيا، بل الذي جاء به هو نشر التوحيد، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}.
  • أما معنى قول الله تعالى {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}، بماذا مكنه الله سبحانه وتعالى؟ {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} يعني أعطيناه كل أصناف العلم والقوة، فعنده الحديد والمصانع و {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي أضاف على كل أسباب القوة سبباً آخر هو التوكل على الله عز وجل، فيعلمنا أن الإنسان لا يعتمد على قوته فقط بل يتوكل على الله.

ذو القرنين وبناء السد

قال الله سبحانه: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} أمرهم أن يجمعوا كل الحديد، فجمعوا الحديد ورموه بين الجبلين {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا} أي أشعلوا النار، فبقيت النار مشتعلة إلى أن ذاب الحديد {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} صار الحديد أحمر مثل النار فتركوه حتى جمد، ثم { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } جاء بالنحاس المذاب وأفرغه فوق الحديد زيادة في القوة.

{فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} فلم يستطع قوم يأجوج ومأجوج تجاوزه من الأعلى أو حفره من الأسفل، كانوا كلما حفروا حفرة صغيرة تركوها إلى اليوم الثاني فتعود الحفرة كما كانت.

{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}: هذه الرحمة لن تستمر، وسيأتي يوم ينهدم السد، ويخرج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان.

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} عند انهيار هذا السد ستأتي هذه الأعداد الهائلة من قوم يأجوج ومأجوج كالأمواج فيقضوا على الناس ويسيطروا على الأرض فإذا حدث ذلك كان نذيرا باقتراب الساعة {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}.

العين الحمئة في قصة ذي القرنين

قال تعالى: {حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا (86)   قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوۡفَ نُعَذِّبُهُۥ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِۦ فَيُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا نُّكۡرٗا (87)  وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرٗا(88)}.

وقع المفسرون القدامى والمحدثون في جدل: ما معنى العين الحمئة وأين توجد؟

جاء في تفسير الطبري: حدثنا الحسين بن الجنيد، قال: حدثنا سعيد بن سلمة، قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن عثمان بن حاضر، قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: قرأ معاوية هذه الآية، فقال: “عين حامية”، فقال ابن عباس: إنها عين حمئة، قال: فجعلا كعبا بينهما، قال: فأرسلاً إلى كعب الأحبار، فسألاه، فقال كعب: أما الشمس فإنها تغيب في ثأط، فكانت على ما قال ابن عباس، والثأط: الطين، واتخذت هذه شبهة عند الملحدين.

لكن من الباحثين الجدد ومنهم الدكتور عبدالعزيز كامل من المحدثين في كتابه دروس من سورة الكهف يقول عنها أنها في بحر قزوين في باكو أذربيجان وهي عيون النفط المنتنة، والعرب يسمونها البلاد المنتنة بسبب النفط الفائض السطحي، وأبو الكلام آزاد يقول: إنها في خلجان وشواطئ الأناضول.

رأي الدكتور مصطفى محمود والدكتور عبدالدائم الكحيل أنها في جزر هاواي الأمريكية أقصى نقطة في الغرب حيث العيون البركانية الحارة الملتهبة.

وجدها تغرب في عين حمئة: ليس المقصود على وجه الحقيقة كون الشمس تكبر الأرض بآلاف المرات، فلا يعقل أن تغيب في عين حمئة صغيرة عند مغرب الشمس في أقصى الأرض، وإنما هو التصوير لما يراه الإنسان أثناء الغروب بعينه المجردة؛ فإذا كنت على بحر ترى الشمس تغيب في البحر كأنها تغوص فيه،

وإذا كنت قريباً على نهر أو بحيرة وأنت ترى غروب الشمس تراها وكأنها تغطس فيه، ولكن هو التصوير المعنوي لتقريب الصورة للإنسان؛ لأن الحقيقة فوق مستوى عقله وإدراكه وبعيدة عنه تريليونات الكيلو مترات فلا يدركها أبداً، وهذا ما رآه ذو القرنين كرؤيا ذهنية بشرية، وليس على أن الشمس حقيقة تغرب في تلك العين.

ولكن الصورة الذهنية القريبة أن ذي القرنين بلغت به الوسيلة بعيداً جداً ليرى أين تغرب الشمس، وهذا يوحي أن للرجل اهتماماً بالعلم كذلك، فقد كانت أهم العلوم عند القدامى علوم الفلك والكواكب والشمس والقمر خاصة، وقد أثبت بعلمه أنه يستطيع بناء سد لا يمكن هدمه أو ثقبه من قبل قوم يأجوج ومأجوج تلك الأقوام الفاسدة الطاغية.

ذو القرنين والخضر

ذكر الأزرقي وغيره أن ذو القرنين طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام، أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر عليه السلام.

ذكر ابن عساكر من طريق وكيع، عن أبيه، عن معتمر بن سليمان، عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه زين العابدين خبراً مطوّلاً جداً فيه: أن ذا القرنين كان له صاحب من الملائكة يقال له “رناقيل”،

فسأله ذو القرنين هل تعلم في الأرض عينا يقال لها عين الحياة؟ فذكر له صفة مكانها، فذهب ذو القرنين في طلبها، وجعل الخضر على مقدمته، فانتهى الخضر إليها في واد في أرض الظلمات، فشرب منها ولم يهتد ذو القرنين إليها، [البداية والنهاية].

المراجع

  • القرآن الكريم
  • فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر
  • في ظلال القرآن – سيد قطب
  • الآثار الباقية عن القرون الخالية – أبو الريحان البيروني
  • الجامع لأحكام القرآن.
  • تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
  • موسوعة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
  • إسلام اون لاين.
  • إسلام ويب.
  • ويكيبيديا.
  • كورش الكبير/ د. أسامة عدنان يحيى- موقع أشور بانيبال للثقافة

الأسئلة الشائعة

من هو النبي الذي عاصر ذو القرنين؟

سيدنا إبراهيم عليه السلام

ماذا قال الرسول عن ذي القرنين؟

أورد ابن جرير ، والأموي في مغازيه، حديثا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، أن نفرا من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين؟، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء!، فكان فيما أخبرهم به : أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقواما وجوههم مثل وجوه الكلاب، وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.

من هو ذو القرنين الذي جال الأرض؟

هو ذلك الرجل الصالح الذي مكن الله له، وهيأ له الأسباب فأخذ بها، واجتهد في استثمارها وتطويرها، فطوف في الأرض، وجال في أقطارها، قائدًا ظافرًا، وحكمًا عادلًا، وسلطانًا قويًا، وعبدًا شكورًا، فملأ الدنيا عدلًا ونورًا.
وقد ذكره الله في القرآن الكريم في سورة الكهف

من أي بلد ذو القرنين؟

خبر ذي القرنين لم يصح فيه غير ما ذكره الله تعالى في كتابه وقصه علينا من خبره في سورة الكهف في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا {الكهف: 83-84.إلخ قصته وفي ذلك غنية وبغية، وأما ما أفاض فيه أهل التفسير والتاريخ في خبره فإنه مما يستأنس به ولا يمكن القطع بشيء منه.

اترك تعليقاً

تعليق واحد

  • السلام عليكم
    نسأل الله لكم الخير والبركة وأن ينفع بكم دائما
    راسلتكم كثيرا بدون رد
    اقسم برب محمد اني عندي معلومات من القرءان فعلا هي معجزة العصر
    هناك دلائل من القرءان علي شخصية ذي القرنين وفرعون ومؤمن ال فرعون والسامري وامرأة فرعون
    والدلائل هنا ليست استنباطية ولكنها بالارقام وسبحان ربي هذا كتاب مبين
    رجاءا أن تصلوني بدكتور طارق فأنا أريد أن أطلعه علي هذا البحث
    وجزاكم الله خيرا كثيرا