كيف كان الرسول يقضي يومه ” الإنسان الكامل “
كيف كان الرسول يقضي يومه, رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو القدوة لكل مسلمٍ…
Read moreأعظم ما قام به أمير المؤمنين بعد إقامة العدل الشامل في دولة الإسلام: هو الفتوحات الإسلامية في بلاد الفرس والروم، وأعظِم بجيش استطاع تحرير بلاد شاسعة، والقضاء على دول وممالك طال بها الزمن، وهدفه الأسمى تحرير البشر من حياة العبودية، وإرشادهم إلى طريق السعادة والكرامة، والفوز بالدارين.
بعدما انتصر المسلمون في القادسية، هرب الفرس لا يلوون على أحد، ثم تجمعوا في منطقة “بابل”، ولهم وجود في منطقة “البرص”، فتبعهم “زهرة بن الحويّة”، وبقي القائد “سعد بن أبي وقاص” منتظرا الأوامر من أمير المؤمنين، وقام بإرسال السرايا لتطهير هذه المناطق،
ثم جاءت الأوامر من أمير المؤمنين: أن توجه نحو المدائن واترك النساء والأطفال، واترك لهم جندًا يحمونهم، ويقسم لهم من الغنائم كما لو أنهم شاركوا في الفتح).
تحرك جيش المسلمين بقيادة “سعد” نحو بابل، فسبقته مقدمة جيش المسلمين إلى “البرص”، وبدأ القتال بين مجموعتين صغيرتين، فهزم الفرس، ولما وصل إلى “بابل” بعد عبوره للفرات، قاتل من تجمع فيها وانتصر خلال ساعة واحدة؛ لأن الفرس كانت قد تحطمت معنوياتهم في “القادسية”،
وهرب قائدهم “الفيروزان” نحو “نهاوند”، وهرب القائد الآخر “الهرمزان” نحو “الأهواز”، فتبعهم القائد “زهرة” حتى وصل إليهم عند “كوثي” وقتل منهم جمعا عظيما، وقام بانتظار سعد حتى وصل إليه وسارا معًا نحو عاصمتهم “المدائن”.
لما وصل جيش الفاتحين غربي دجلة، ورأى المسلمون الإيوان (قصر كسرى)، فدقال ضرار بن الخطاب: (الله أكبر، هذا أبيض كسرى، هذا وعد الله ورسوله)، فقد روى جابر بن سمرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى أو آل كسرى»، فكبّر وكبر الناس معه، وكلما وصلت طائفة كبروا، ثم نزل المدينة.
هذا موعود رسول الله:
بعث سعد السرايا في كل جهة يطلبون جند الفرس، فلم يجدوا أحدًا سوى الفلاحين، فجمع سعد منهم مائة ألف وكتب إلى عمر يستفته في أمرهم، فكتب إليه عمر: (إِنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْفَلَّاحِينَ لَمْ يُعِنْ عَلَيْكُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ بِبَلَدِهِ فَهُوَ أَمَانُهُ، وَمَنْ هَرَبَ فَأَدْرَكْتُمُوهُ فَشَأْنُكُمْ بِهِ)، فأطلقهم سعد ودعاهم للإسلام أو الجزية، فاختاروا الجزية.
أقام سعد على حصار المدائن، وشدد الحصار لمدة شهرين، فبدأ كسرى الفرس يشعر بالخطر، فأمر بالعبور من الجهة الغربية إلى الجهة الشرقية، وركب الفرس السفن في الليل مصطحبين كنوزهم وأموالهم إلى الضفة الأخرى من النهر وتركوا المدائن خاوية، فدخلها المسلمون.
أصبح الفرس الآن شرقي دجلة، والمسلمون غربي دجلة ولا وسيلة للعبور، وكان دجلة في فترة الفيضان، فاحتار سعد كيف يعبر؟ فقد كان عازمًا على المسير إلى المدائن الشرقية، فانتدب “عاصم بن عمرو التميمي” وستمائة فارس معه للعبور إلى الضفة الأخرى من النهر، وحمايتها حتى يتسنى لجيش المسلمين العبور دون أن يهاجمهم الفرس.
عبر عاصم ومن معه النهر على ظهور الخيل، وحاول الفرس منع كتيبة عاصم من عبور النهر، لكن عاصم عبر النهر بكتيبته ودفع الفرس عن ضفة النهر، وخطب سعد في الجيش وندب الناس الى العبور، وتلاحق الناس في دجلة، وكان الذي يساير سعدًا في الماء سلمان الفارسي فعامت بهم خيولهم وسعد يقول:
(حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه، وليظهرن دينه، وليهزمن عدوه، إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات)، فقال له سلمان: (الإسلام جديد ذللت لهم والله البحور كما ذلل لهم البر أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجًا كما دخلوا فيه أفواجًا.
فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئًا، ولم يغرق منهم أحد، إلا حادثتين صغيرتين حدثتا:
وسموا يوم عبورهم لنهر دجلة (يوم الجراثيم)، لأنه لم يكن أحد يعبر إلا ظهرت له جرثومه يسير معها -هي من القش المربوطة حزمًا-.
قسم سعد جيشه إلى (3) كتائب: وجعل على رأس كل منها قائدًا من أمهر رجاله، وأكثرهم حنكة وكفاءة، فجعل على الكتيبة الأولى “كتيبة الأهوال” عاصم بن عمرو الملقب بـ “ذي البأس”،
وجعل على الكتيبة الثانية “الكتيبة الخرساء” القعقاع بن عمرو، ثم سار سعد على بقية الجيش، وتقدمت الكتيبتان في إيمان وشجاعة، فلا البحر يخيفهم ولا الفرسان المتربصون بهم على الشاطئ الآخر يرهبونهم.
وأسرع المسلمون يعبرون النهر بخيولهم حتى امتلأت صفحة النهر بالخيل والفرسان والدواب، فلا يرى أحد الماء من الشاطئ لكثرة الخيل والفرسان، فلما رأى الفرس المسلمين وقد خاضوا النهر إليهم راحوا يجمعون فرسانهم للتصدي لهم، ومنعهم من الخروج من الماء،
واجتمع عدد كبير من فرسانهم حول الشاطئ مدججين بالسلاح يترقبون وصول المسلمين ليرشقوهم بالسهام والرماح، ويقضوا عليهم قبل أن يصلوا إلى الشاطئ، ولكن قائد كتيبة الأهوال عمرو بن عاصم يدرك بسرعة ما ينتظرهم،
فيأمر رجاله أن يشرعوا رماحهم، ويصوبوها إلى عيون خيل الفرس، وتنطلق الرماح وكأنها البرق الخاطف إلى عيون الخيول، فتعم الفوضى بين صفوف الفرس، وتضطرب صفوفهم.
وانطلق المسلمون نحو الشاطئ بخيولهم القوية، وهي تصهل في حماس، وتنفض الماء عن أعرافها في قوة، فلما رآهم القوم أخذهم الفزع، وانطلقوا لا يلوون على شيء
وقد امتلأت نفوسهم رعبًا وفزعًا، وهم لا يملكون كفّ خيولهم، إلى أن وصلوا إلى “يزدجرد” وأخبروه بما رأوا، فخاف يزجرد كيف عبر جيش المسلمين النهر دون سفن، فترك المدائن الشرقية، وهرب بكنوزه.
دخل المسلمون المدائن فاتحين منتصرين، وغنموا ما تحويه من نفائس وذخائر، بعد أن فرّ كسرى وجنوده حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والنفائس والأمتعة، وتركوا ما عجزوا عن حمله، فوجد المسلمون خزائن كسرى مليئة بالأموال والنفائس، ولكن هذه الكنوز لم تُغرِ أيًّا منهم بالاستيلاء عليها لنفسه، ولم تراود أحدًا منهم نفسه على أخذ شيء منها.
ودخل سعد القصر الأبيض بالمدائن، وانتهى إلى إيوان كسرى، وهو يقرأ قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (26) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (27) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (28) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [سورة الدخان]، ثم صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن،
كما صلى من قبلُ في قصر كسرى الآخر في المدائن الغربية وجعله مُصلّى، وقرر الإقامة في المدائن، وأرسل إلى عائلات الجند ليُسكنهم دور المدائن، وجعلها عاصمة للعراق، يتحرك منها الفتح الإسلامي، ويقيم فيها أمير المسلمين في العراق، وأقيمت أول صلاة جمعة في المدائن سنة (16هـ).
في نظام الإسلام في تقسيم الغنائم: أنّ أي مدينة تفتح بالصلح، تذهب الغنائم إلى بيت مال المسلمين، أما إذا فتحت بالقوة والقتال، فالمقاتلين المشاركين يستحقون المكافاة،
فيقسم لهم أربعة أخماس الغنائم (4/5)، والخمس الأخير لبيت مال المسلمين (1/5)، فوزع سعد الغنائم على المقاتلين فأصاب الفارس منهم (12,000)، وكلهم كان فارسًا ليس فيهم راجل، وأرسل الخمس الأخير إلى المدينة.
وأرسل سعد في الخمس كل شيء أراد أن يعجب منه العرب، ومن كان يعجبهم أن يقع، وأراد إخراج خمس القطف فلم تعتدل قسمته وهو بهار كسرى فقال للمسلمين: هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماسه ينبعث به إلى عمر يضعه حيث يشاء؟ فإنا لا نراه ينقسم وهو بيننا قليل، وهو يقع من أهل المدينة موقعًا، فقالوا: نعم، فبعثه إلى عمر.
والقطف بساط واحد: (طوله ستون ذراعًا، وعرضه ستون ذراعًا مقدار جريب، كانت الأكاسرة تعده للشتاء، إذا ذهبت الرياحين شربوا عليه فكأنهم في رياض، فيه طرق كالصور، وفيه فصوص كالأنهار، أرضه مذهبة،
وخلال ذلك فصوص كالدر، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرض المبقلة بالنبات في الربيع والورق، من الحرير على قضبان الذهب، وزهره الذهب والفضة، وثمره الجوهر وأشباه ذلك)، وكانت العرب تسميه القطف.
فلما قدمت الأخماس على عمر، نفل -أعطى- منها من غاب ومن شهد من أهل البلاء، ثم قسم الخمس في مواضعه ثم قال: أشيروا علي في هذا القطف فمن بين مشير بقبضه وآخر مفوض إليه.
فقال له علي: (لم يجعل الله علمك جهلًا ويقينك شكًا، إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، أو لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، وإنك إن تبقه على هذا اليوم لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له)، فقال: صدقتني ونصحتني، فقطعه بينهم، فأصاب عليًا قطعةٌ منه فباعها بعشرين ألفًا، وما هي بأجود تلك القطع.
وكان في القوم سراقة بن مالك الذي وعده النبي ﷺ يوم الهجرة أنه سيلبس سواري كسرى، فتناول عمر السوارين وألقاهما إليه، فوضعهما سراقة في يديه، لتتحقق بشارة رسول الله ﷺ ووعده لسراقة،
حيث كان النبي مهاجرًا خارجًا من بلده، فارًا بدينه مطاردًا من قومه، ضعيفًا إلا من إيمانه بالله، وثقته في نصره إياه، فلما رآهما عمر في يدي سراقة، قال: (الحمد لله، سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك).
وفي هذه السنة كانت وقعة “جلولاء”، وسببها أن الفرس لما هربوا من المدائن إلى جلولاء، وافترقت الطرق بأهل أذربيجان والباب وأهل الجبال وفارس، تذمروا فقالوا: (لو افترقتم لن تجتمعوا أبدًا، وهذا مكان يفرق بيننا فهلموا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم، فإن كانت لنا فهو الذي نحب، وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا وأبلينا عذرًا).
فاحتفروا خندقًا، واجتمعوا فيه على القائد “مهران الرازي”، وتقدم يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرجال وخلف فيهم الأموال، فأقاموا وأحاطوا خندقهم بحسك الحديد إلا طرقهم.
فبلغ ذلك سعدًا فأرسل إلى عمر فكتب إليه عمر: (أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء، واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى ميمنته مسعر بن مالك، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة، وأجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني، وإن هزم الله الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل، وليكن الجند (12) ألفًا).
مضى هاشم بن عتبة حتى قدم جلولاء، فحاصرهم في خنادقهم، وأحاط بهم، وطاولهم الفرس وجعلوا لا يخرجون إلا إذا أرادوا، وزاحفهم المسلمون نحو (80) يومًا، كل ذلك ينصر المسلمون عليهم،
وجعلت الأمداد ترد من يزدجرد إلى مهران، وأمد سعد المسلمين، وخرجت الفرس وقد احتفلوا فاقتتلوا، فأرسل الله عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البلاد، فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق، فجعلوا فيه طرقًا مما يليهم يصعد منه خيلهم فأفسدوا حصنهم.
وبلغ ذلك المسلمين فنهضوا إليهم، وقاتلوهم قتالًا شديدًا لم يقتتلوا مثله ولا ليلة الهرير إلا أنه كان أعجل.، وانتهى القعقاع بن عمرو من الوجه الذي زحف فيه إلى باب خندقهم، فأخذ به وأمر مناديًا فنادى: (يا معاشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل الخندق وأخذ به فأقبلوا إليه، ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله).
وإنما أراد بذلك أن يقوي المسلمين، فحملوا ولا يشكون بأن هاشمًا في الخندق، فإذا هم بالقعقاع بن عمرو وقد أخذ به، فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة، فهلكوا فيما أعدوا من الحسك فعقرت دوابهم وعادوا رجالة،
واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد، وقتل يومئذٍ منهم (100,000)، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم فهي جلولاء الوقيعة.
فسار القعقاع بن عمرو في الطلب حتى بلغ “خانقين”، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد فسار من “حلوان” نحو “الريّ”، وقدم القعقاع حلوان فنزلها في جند من الأفناء والحمراء، وكتبوا إلى عمر بالفتح وبنزول القعقاع حلوان واستأذنوه في اتباعهم فأبى وقال:
(لوددت أن بين السواد وبين الجبل سدًا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم، حسبنا من الريف السواد، إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال).
وقسمت الغنيمة وأصاب كل واحد من الفرسان (9,000) وتسعة من الدواب، وقيل: إن الغنيمة كانت ثلاثين ألف ألف وكان الخمس ستة آلاف ألف، فقسمها سلمان بن ربيعة، وبعث سعدٌ بالأخماس إلى عمر، فقال: (والله لا يجنه سقف حتى أقسمه)،
فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن الأرقم يحرسانه في المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن هذا لموطن شكرٍ.
فقال عمر: (والله ما ذلك يبكيني، وبالله ما أعطى الله هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله بأسهم بينهم).
فقال عمر: كيف نوزع الغنائم؟ أنحثوا أم نكيل؟ فقالوا: أحثو، فجعل يحثو لكثرة الغنائم، ولضيق الوقت في توزيعها بالعد، فلك أن تتخيل كم غنم المسلمون من هذه المعركة لوحدها.
بلغ “سعد” تجمع أهل الموصل في تكريت على رجل يدعى “الأنطاق”، فأرسل إليهم جيشًا بقيادة “عبد الله بن المعتم” في خمسة آلاف، وعلى مقدمته ربعي بن الأفكل العنزي،
فوجد “الأنطاق” قد اجتمعت إليه جماعة من الروم، ومن مسيحيي العرب من إياد وتغلب والنمر قد خندقوا حولهم، فحاصرهم (40) يومًا حتى يأس العرب وراسلوا ابن المعتم يسألوه السلم، فقبل شريطة أن يعاونوه على عدوه عبر حيلة اتفق معهم عليها.
وفي صباح اليوم التالي، شد المسلمون على عدوهم وكبّروا، فكبّر عرب ربيعة، فظن الروم أن المسلمين قد أحاطوهم من الخلف، فاضطربت صفوفهم وتمّ النصر للمسلمين، ثم أرسل ابن المعتم “ربعي بن الأفكل” في سرية كبيرة إلى الحصنين وهما: نينوى والموصل، قبل أن تصلها أخبار هزيمة الأنطاق، ففوجئوا بهم وخضعوا له على أن يؤدوا الجزية.
وسبب بناء الكوفة أن سعدًا ارسل وفدًا إلى عمر بهذه الفتوح المذكورة فلما رآهم عمر سألهم عن تغير ألوانهم وحالهم فقالوا: وخومة البلاد غيرتنا.
وقيل: بل كتب حذيفة إلى عمر: إن العرب قد رقت بطونها وجفت أعضادها وتغيرت ألوانها.
وكان مع سعد فكتب عمر إلى سعد: أخبرني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه سعد: إن الذي غيرهم: وخومة البلاد، وإن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان.
فكتب إليه عمر: أن ابعث سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلًا بريًا بحريًا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر.
فأرسلهما سعد فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئًا حتى أتى الكوفة وسار حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئًا حتى أتى الكوفة وكل رمل وحصباء وخصاص خلال ذلك فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا ودعوا الله تعالى أن يجعلها منزل الثبات.
فلما رجعا إلى سعد بالخبر، كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو وعبد الله بن المعتم أن يستخلفا على جندهما ويحضرا عنده ففعلا.
فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة وكان بين نزول الكوفة ووقعة القادسية سنة وشهران وكان فيما بين قيام عمر واختطاط الكوفة ثلاث سنين وثمانية أشهر ولما نزلها سعد كتب إلى عمر:
(إني نزلت بالكوفة منزلًا فيما بين الحيرة والفرات بريًا وبحريًا ينبت الحلفاء والنصي وخيرت المسلمين بينها وبين المدائن فمن أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة.
ولما استقروا بها عرفوا أنفسهم، ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قوتهم، واستأذن أهل الكوفة في بنيان القصب، واستأذن فيه أهل البصرة أيضًا، واستقر منزلهم فيها في الشهر الذي نزل أهل الكوفة بعد ثلاث نزلات قبلها،
فكتب إليهم: إن العسكر أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم.
بنيت الكوفة والبصرة بالقصب، ثم إن حريقًا وقع في الكوفة والبصرة، وكانت الكوفة أشد حريقًا، فبعث سعد نفرًا منهم إلى عمر يستأذنونه في البنيان باللبن، فقدموا عليه بخبر الحريق واستئذانه أيضًا فقال: (افعلوا ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان، والزموا السنة تلزمكم الدولة).
فرجع القوم إلى الكوفة بذلك وكتب عمر إلى عتبة وأهل البصرة بمثل ذلك.
وكان على تنزيل أهل الكوفة أبو هياج بن مالك، وعلى تنزيل أهل البصرة عاصم ابن دلف أبو الجرباء، وقدر المناهج أربعين ذراعًا، وما بين ذلك عشرين ذراعًا، والأزقة سبع أذرع، والقطائع ستين ذراعًا.
وأول شيء خط فيهما وبني مسجداهما، وقام في وسطهما رجل شديد النزع، فرمى في كل جهة بسهم وأمر أن يبنى ما وراء ذلك، وبنى ظلة في مقدمة مسجد الكوفة، على أساطين رخام من بناء الأكاسرة في الحيرة، وجعلوا على الصحن خندقًا لئلا يقتحمه أحد ببنيان، وبنوا لسعد دارًا، وانتقل سعد إلى الكوفة وأصبحت عاصمة المسلمين في بلاد فارس.
شكَّل قطاع الأبلة والبصرة والأحواز جبهة قتاليَّة مُساندة، تزامنت أحداثها مع فتح المدائن وما تفرَّع عنه، فأراد عُمر بن الخطَّاب أن يفتح جبهةً ثانيةً ضدَّ يزدجرد الذي كان يُقاتلُ انطلاقًا من المدائن لِتخفيف الضغط عن هذه الجبهة، فأرسل عُتبة بن غزوان المازنيّ إلى البصرة في أواخر ذي القعدة سنة (15هـ)، وحدَّد له هدفين:
وأمرهُ أن يدعوا القوم إلى الإسلام، فمن أجابهُ قبِل منه، ومن أبى فعليه الجزية، وإلَّا فالسيف في غير هوادة.
وصل عُتبة إلى موضع الخُريبة بالبصرة سنة (16هـ) على رأس (800) مُقاتل، وعسكر على مقربة من موقع البصرة المُعاصر، وأقام عدَّة أشهر لا يغزو، ولا يُقاتل، ولا يخرج إليه أحد من حامية الخُريبة، إذ لم يكن الفُرس يملُكون القوَّة الكافية للتصدّي للمُسلمين، فقبعوا في أماكنهم بانتظار تطوُّرات القتال في الشِّمال.
فأرسل عتبة من أبلغ قائد الحامية أنَّ المُسلمين يُريدونه، وهكذا اضطرَّت الحامية إلى الخُروج من أماكن تمركُزها، واصطدمت بالقُوَّة الإسلاميَّة وانتصر المُسلمون، وولّى الفُرس مُنهزمين إلى داخل المدينة، واحتموا وراء أسوارها، وعاد عُتبة إلى مُعسكره.
وسُرعان ما انسحبت تلك الحامية شمالًا نحو الفُرات، وعبرته دون قتال نظرًا لانقطاع الاتصالات مع الشمال، ولِتفوّق المُسلمين الواضح، ودخل عُتبة الأبلة وكتب إلى عُمر يُخبرهُ بالفتح.
عاود الفرس من جديد تمردهم، و الذي شجعهم هذه المرة على التمادي في الخُروج على حُكم المُسلمين والاستعداد لِحرب الاسترداد، إخفاق العلاء بن الحضرمي في فتح مدينة “اصطخر” حاضرة فارس قبل المدائن، والمعروف أنَّ العلاء بن الحضرميّ عامل عُمر على البحرين، عبر الخليج إلى البر الفارسيّ دون الحُصول على إذنٍ من الخليفة،
فقصد اصطخر، وتغلَّب على حامية السَّواحل، وتابع زحفه باتجاه المدينة، إلَّا أنَّهُ لم يُؤمِّن على مؤخرته، حيثُ تقضي السِّياسة العسكريَّة السليمة بِتمركز قُوَّة عسكريَّة في النقاط المُهمَّة على الطريق إلى اصطخر،
فقطع الفُرس عليه خطَّ الرجعة بِقيادة الهربذ، ولم يُنقذه سوى قرار الخليفة بِإرسال مدد من حاميات البصرة والكوفة، وعزلهُ عُمر بعد ذلك جرَّاء مُغامرته غير المدروسة ووضعهُ بتصرُّف سعد.
اعتقد الفُرس أنَّ الاندفاع الإسلاميّ سوف يتوقَّف بعد أن يصل المُسلمون إلى الثُغور، ولهذا اطمأنّوا على ديمومة إمبراطوريَّتهم. وكان عُمر في الأساس لا ينوي أن يتخطّى العراق، لكنَّ الأحداث المُتسارعة دفعتهُ إلى تغيير هذه السياسة تجاه الفُرس، وشجَّعتهُ الانتصارات الإسلاميَّة المُتتالية على التوغُّل في عمق الأراضي الفارسيَّة.
استقرَّ الهُرمُزان في الأهواز، وتشتَّت جُنودُ فارس في مُختلف النواحي، فتحرَّكت قُوَّة عسكريَّة ضخمة نحو “تستر” عاصمة الأهواز بِقيادة الهُرمُزان، وأخذت تُغيرُ على قٌرى تلك الولاية المُمتدَّة بين البصرة وفارس، فطلب عُتبة بن غزوان العون من عمر، فأرسل إلى سعد بن أبي وقَّاص لِمُحاربة الهُرمُزان،
فأرسل إليه فرقةً عسكريَّةً من الكُوفة بِقيادة النُعمان بن مُقرن المزني، كما كتب عُمر إلى أبي موسى الأشعريّ عاملهُ على البصرة بأن يُرسل قوَّةً عسكريَّةً من جُند البصرة بِقيادة سهل بن عُدي.
سلك النُعمان طريق السَّواد وعبر دِجلة، ثُمَّ اصطدم بالقوَّة الفارسيَّة بِقيادة الهُرمُزان وتغلَّب عليها، وانسحب الهُرمُزان إلى تستر، ثُمَّ أتمَّ فتحُ الأهواز بعد أن انضمَّ إليه الجُند الذين قدموا من البصرة بِقيادة سهل بن عُديّ، كما انضمَّ أبو موسى الأشعريّ إلى الجيش الإسلاميّ بعد ذلك، وحاصر المُسلمون تستر وقد تحصَّن بها الهُرمُزان.
دام الحِصار بضعة أشهر تخلَّلهُ مُناوشات بين الطرفين، كانت سِجالًا قبل أن يقتحم المُسلمون المدينة بِمُساعدة أحد سُكَّانها، وأُسر الهُرمُزان وأُرسل إلى عُمر في المدينة، فأعلن إسلامُه أمامه، في قصة الهرمزان مع عمر.
لم يركن الفرس إلى الهدوء، فكانوا يُجهزون الجيوش استعدادًا لمواصلة الحرب، كما كانوا يقومون بأعمال التمرُّد في البلاد المفتوحة، ولمَّا سأل عمر كبار الصحابة عن سبب ذلك، أجابوه بأنَّ تلك الفتن لا يمكن أن تُخمد ما لم يخرج يزدجرد من حُدود البلاد الإيرانية، وأنَّ آمال الفرس لا يمكن أن تنقطع طالما تُراودهم فكرة بقاء وريث عرش «كنعان» على قيد الحياة.
أرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر: (بلغ الفرس (150) ألف مقاتل، فإن جاؤونا قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك).
وحدث أن عُزل “سعد” في هذه الظروف الحرجة؛ بسبب وشايات أهل الكُوفة ضدَّه، وخلفهُ “عبد الله بن عتبان”، وهو صحابي مُتقدِّم في العُمر، واختار عُمر “النُعمان بن مُقرن المزني” لقيادة الجيش الإسلامي إلى نهاوند، ورسم لهُ الخِطَّة التي يتوجَّب عليه تنفيذها، وأردفهُ بِقوَّاتٍ من المدينة بِقيادة “عبدُ الله بن عُمر”،
وبِثُلث قُوَّات البصرة بِقيادة أبي موسى الأشعريّ، وثُلث قُوَّات الكُوفة بِقيادة حذيفة بن اليمان، وقدَّر عُمر أنَّ القتال سيكونُ ضاريًا ورُبَّما أدَّى إلى مصرع القائد، فاقتدى برسول الله ﷺ في غزوة مؤتة، فعيَّن سبعة من الرجال خلفًا للنُعمان في حال قُتل.
خرج النُعمانُ على رأس جيش الكُوفة الذي يُقدَّرُ (30.000) جُنديّ مُتوجهًا إلى نهاوند، وبثَّ العُيون أمامهُ لاستكشاف المنطقة حتَّى لا يؤخذ على غرَّة، وواصل زحفه إلى “أسبيهذان” التي تبعد تسعة أميال عن نهاوند، وعسكر فيها بالقُرب من المُعسكر الفارسيّ،
وكان الفُرس قد أحاطوا نهاوند بالخنادق وتحصَّنوا بها، وتهيَّبوا الدُخول في معركة، فطلبوا من النُعمان أن يُرسل إليهم رسولًا للتباحث، بشأن التوصّل إلى تفاهُمٍ سلميّ، فأرسل إليهم المغيرة بن شُعبة، لكنَّ المُباحثات انتهت إلى الفشل؛ بسبب التصلُّب في المواقف.
وبدأ الطرفان يستعدَّان للحرب، ثُمَّ التحما في رحى معركةٍ ضارية، ابتدأت شديدةً واستمرَّت يومين، ولمَّا لاح النصرُ للمُسلمين، تراجع الفُرس إلى المدينة وتحصَّنوا بها، فأحاط المُسلمون بهم، ومرَّت أيَّام والجبهة على ذلك.
وعقد النُعمانُ مجلسًا عسكريًا مع أركان حربه للتشاور، فتقرَّر تخصيص قوَّة عسكريَّة تعمل على دفع الفُرس إلى الخُروج من تحصيناتهم، بالتحرُّش بهم وإغرائهم على الالتحام، بالكرِّ والفر،
في حين يترصَّد سائر الجيش في أماكن خلفيَّة خفيَّة عن أعين العدو، فإذا حدث الالتحام تظاهرت القوَّة بالخسارة، وتتراجع أمامهم إلى حيثُ يستطيع جيشُ المُسلمين أن يشترك في المعركة ويلتحم بهم بعيدًا عن تحصيناتهم.
ونفَّذ القعقاع بن عمرو ومعهُ سريَّتهُ من الجُند هذه الخطَّة بنجاح، فطوَّق المُسلمون الفُرس وانقضّوا عليهم، ودار قتالٌ لم يشهد لهُ الفُرس ولا المُسلمين مثالٌ من قبل، فصمد المُسلمون وقاتل الفُرس قتالًا مُستميتًا من مُنتصف النهار حتَّى الليل،
وسقط في أرض المعركة عددٌ من القادة والأسماء البارزة، منهم النُعمان نفسه، وطُليحة الأسدي، وعمرو بن معديكرب، واستلم قيادة الجيش حذيفة بن اليمان.
وفي نهاية المطاف انهار التماسك الفارسيّ، وفرَّ قسمٌ كبيرٌ من الجيش ناجيًا بحياته، واستسلمت حامية نهاوند، وطلب سُكَّانُها الأمان وأقرّوا بِدفع الجزية، ودخل المُسلمون المدينة وأجابوا الفُرس إلى ما طلبوا، وأُرسلت المراسيل إلى عُمر بالمدينة تُبشِّرهُ بالفتح، الذي عرفهُ المُسلمون “بفتح الفُتوح” لأنَّهُ لم يقم للفُرس بعدها قائمة.
بعد معركة نهاوند، أمر حذيفة بن اليمان: نُعيم بن مقرن المزني، والقعقاع بن عمرو بمطاردة فلول نهاوند، حتى بلغا همذان، فصالحهم حاكمها على الجزية، فرجعا عنها، ثم عاد ونقض العهد، فكتب عمر بن الخطاب إلى حذيفة بالعودة إلى الكوفة،
وأن يُسيّر نعيم بن مقرن إلى همذان، ويجعل أخوه سويد بن مقرن على مقدمة جيشه، وربعي بن عامر التميمي ومهلهل بن زيد الطائي على جناحيه، فحاصر نعيم همذان في (12.000) مقاتل، ثم أرسل السرايا فاستولت على كل المناطق التابعة لها، فسأل أهل المدينة الصلح من نعيم، فوافقهم على ذلك.
كما بعث عمر “عبد اللَّه بن عبد الله بن عتبان” لفتح أصبهان، وأمدّه بأبي موسى الأشعري، فسار عبد الله بجنده ومن تبعه من جند النعمان نحو أصبهان، فقابل جندًا فارسيًا كثيفًا بقيادة “الأسبيدان”، وعلى مقدمته “شهريار بن جاذويه” خارج المدينة، ودارت معركة كبيرة هُزم فيها أهل أصبهان، ثم سار ابن عتبان إلى أصبهان فحاصرها حتى صالحه حاكمها على الجزية.
كتب ابن عتبان لعمر بالنصر فأمره بأن يمُدد سهيل بن عدي بجيشه لقتال كرمان، فاستخلف ابن عتبان السائب بن الأقرع على أصبهان ولحق بسهيل، وسار أبو موسى الأشعري، فافتتح قُمّ وقاشان.
تراسل الديلم وأهل الرِّيّ وأهل أذربيجان على قتال المسلمين، ثم اجتمعوا في “بواج روذ”، بلغ نعيم خبر تجمّع الفرس، فسار إليهم ودارت بينهم معركة كبيرة انتصر فيها المسلمون، فأرسل نعيم الخبر إلى عمر، فردّ عمر الرسول ليبلغ نعيم بأن يستخلف على همذان،
ويسير إلى الرّيّ استخلف نعيم على همذان، وسار للري، وفي الطريق قابله “الفرخزاد” أحد قادة الفرس مسالمًا لحسده على حاكم الري سياوخش بن مهران بن بهرام جوبين.
تجمّع أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان لقتال المسلمين، والتقوا في سفح جبل الري، فاقتتلوا به، ولما طال القتال، أشار الفرخزاد على نعيم بأن يباغت أهل الري في الليل، بكتيبة من الفرسان، يدخل بهم الفرخزاد المدينة من موضع لا يتوقعه الفرس،
فبعث معه نعيم خيلاً بقيادة ابن أخيه المنذر بن عمرو، تفاجأ بهم الفرس، ودار القتال في المدينة انتصر فيه فرسان المسلمين، ثم فوجئ المقاتلين من الفرس عند سفح الجبل بالتكبير من خلفهم، فاضطربت صفوفهم، وانتهى الأمر بهزيمة الفرس.
ثم طالب الفرخزاد نعيم أن يأمره على أهل الري وللمسلمين منهم الجزية، فوافقه نعيم، وحين وفد المضارب العجلي بالأخماس إلى عمر، بعث معه عمر لنعيم بأن يرسل سويد بن مقرن المزني إلى قومس،
فوصلها سويد دون أن يواجه مقاومة، فأخذها سلمًا، ثم سار إلى جرجان، فقابله صاحبها رزبان صول بالسلم، ودخل في عهد المسلمين على أن يؤدي أهلها الجزية للمسلمين.
سار الأحنف بن قيس إلى خراسان سنة (22هـ)، وقد فرّ إليها يزدجرد بعد سقوط الري فنزل مرو، وبدأ الأحنف بـ “هراة” فافتتحها قتالًا، ثم سار الأحنف إلى مرو الشاهجان، وأرسل مطرف بن عبد الله بن الشخير إلى “نيسابور”، والحارث بن حسان إلى “سرخس”، ومع اقتراب الأحنف من مرو الشاهجان، خرج يزدجرد إلى مرو الروذ، فدخل الأحنف الأولى سلمًا.
بعث يزدجرد إلى خاقان الترك وملك الصغد وملك الصين يستمدهم لقتال المسلمين، فخرج الأحنف من مرو الشاهجان بعد أن وصله خبر المدد من الكوفة، واستخلف عليها حارثة بن النعمان الباهلي، ثم سار إلى مرو الروذ، حين بلغ الخبر يزدجرد، فر مجددًا إلى بلخ، ودخل الأحنف مرو الروذ.
سار مدد الكوفة نحو بلخ، فقاتلهم يزدجرد، وانهزم أمامهم ففتح أهل الكوفة بلخ قبل وصول الأحنف، وضم الأحنف بعدئذ الأراضي بين نيسابور وطخارستان التي استخلف عليها ربعي بن عامر، ثم عاد إلى مرو الروذ، وأرسل إلى عمر بالفتح، فأمره عمر بألا يجوز النهر.
بعد أن انهزم يزدجرد في بلخ، عبر النهر وأمدّه خاقان الترك وأهل فرغانة والصغد، فعبر بجنده حتى نزل بلخ، ومنها سار إلى مرو الروذ حيث الأحنف، أخذ الأحنف برأي أصحابه، فسار بعشرين ألفًا من المسلمين إلى موضع كان الجبل من خلفهم والنهر يفصل بينهم وبين الترك،
وأقبل الترك إلى المسلمين وتجدد القتال بينهم لأيام لم يحقق فيها الطرفان نصرًا، حتى يأس الترك ووجدوا أنهم لا طائل من قتال المسلمين، فانسحبوا إلى بلخ.
أما يزجرد فقد كان فصل في بعض الجند إلى مرو الشاهجان، وحاصر حارثة بن النعمان لفترة قبل أن يختلف مع جنوده، ويتركهم ويعبر النهر مجددًا إلى الترك، حيث عاش هناك بقية حياته، وغنم المسلمون من كنوز يزدجرد الشيء الكثير، بعدئذ صالح أهل تلك المناطق الأحنف، ودخلوا في عهد المسلمين، وأدّوا الجزية.
في سنة (23) هـ توجّه سهيل بن عدي إلى كرمان، ولحقه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبان، وحشد لهم أهل كرمان، واقتتلوا فانتصر المسلمون ودخلوها، وأصابوا فيها الكثير من الغنائم.
بينما توجّه عاصم بن عمرو التميمي سجستان، ولحقه عبد اللَّه بن عمير، فهزموهم ثم طاردوهم حتى حصروهم بزرنج، فطلب أهل سجستان الصلح على أن يؤدوا الجزية، فوافق المسلمون.
ثم قصد الحكم بن عمرو التغلبي مكران، ولحقه شهاب بن المخارق بن شهاب، ومن بعده سهيل بن عدي وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبان ومن معهما حتى انتهوا إلى موضع قرب نهر السند، فوجدوا أهل مكران قد عسكروا قرب شاطئ النهر،
حتى عبر إليهم ملكهم راجا راسل ملك السن، ثم دار القتال وانتصر فيه المسلمون، وطاردوا فلولهم حتى النهر، ثم رجعوا فأقاموا بمكران، وكتب الحكم إلى عمر بالنصر، وبعث بالأخماس مع “صحار العبدي”.
وتم فتح بلاد فارس كلها بفضل الله ومنته، خلال مدة ليست بالطويلة، وما ذاك إلا بـ:
ابتدأ الفتح الإسلامي سنة (12هـ)، ولم يتوقف حتى استشهد عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، وربما لو طال الأمد قليلا لوصل جيش الفاتحين هذا إلى الصين وافتتحوها، ولكن تقدير الله وتدبيره فوق كل تدبير.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
معارك المسلمين مع الروم و فتح القسطنطينية و تاريخ الأندلس
روى جابر بن سمرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى أو آل كسرى»
في المدائن عاصمة الفرس.
كان دجلة في فترة الفيضان خطب سعد في الجيش وندب الناس الى العبور، وتلاحق الناس في دجلة وسموا يوم عبورهم لنهر دجلة (يوم الجراثيم)، لأنه لم يكن أحد يعبر إلا ظهرت له جرثومه يسير معها -هي من القش المربوطة حزمًا-.
الفرس لما هربوا من المدائن إلى جلولاء، وافترقت الطرق بأهل أذربيجان والباب وأهل الجبال وفارس، تذمروا فقالوا: (لو افترقتم لن تجتمعوا أبدًا، وهذا مكان يفرق بيننا فهلموا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم، فإن كانت لنا فهو الذي نحب، وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا وأبلينا عذرًا).
فاحتفروا خندقًا، واجتمعوا فيه على القائد "مهران الرازي"، وتقدم يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرجال وخلف فيهم الأموال، فأقاموا وأحاطوا خندقهم بحسك الحديد إلا طرقهم
قتل يومئذٍ من الفرس (100,000)، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم فهي جلولاء الوقيعة.
كتب عمر إلى سعد: أخبرني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه سعد: إن الذي غيرهم: وخومة البلاد، وإن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان.
فكتب إليه عمر: أن ابعث سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلًا بريًا بحريًا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر.
قائد المعركة النعمان بن مقرن.
وسميت بفتح الفتوح لأنَّهُ لم يقم للفُرس بعدها قائمة.