احترام النظام
احترام النظام، أحياناً تبدو الأمور معقدة لدرجة أن الإنسان يعجز عن إيجاد حل لها، وأحيانا تبدو سهلة وسلسة ولا تحتاج حتى إلى مجرد تفكير وتنظيم، وفي كلتا الحالتين قد يكون الأمر مختلفا تماما،
اقرأ المزيد“الدين النصيحة” شعار جاء الدين الحنيف به داعياً إلى إخلاص النصيحة وبذلها، وبأن نؤمن ونعترف بوحدانية الله عز وجل، وننزهه عن النقائص ونصفه بصفات الكمال، وأن القرآن كلامه منزل غير مخلوق، نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه، ونصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بما جاء به ونمتثل أمره ونجتنب ما نهى عنه، وننصح لأئمة المسلمين بمعاونتهم على الحق وإرشادهم إلى ما جهلوه ونذكرهم ما نسوه أو غفلوا عنه، ونرشد عامة المسلمين إلى الحق، ونكف عنهم الأذى منا ومن غيرنا على حسب الاستطاعة، ونأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، والجامع للنصح لهم: أن نحب لهم ما يحب كل منا لنفسه.
روى الإمام مسلم رحمه الله في “صحيحه عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ).
هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام لا يجاوزه، لكثرة معانيه، بل قالوا: ليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها المعنى المراد هنا غير النصيحة.
قال النووي – رحمه الله -: هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام، وأما ما قاله جماعات من العلماء: إنه أحد أرباع الإسلام، أي: الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام – فليس كما قالوا، بل المدار على هذا وحده.
فهذه النصوص القرآنية تفيد أن النَّصِيحَة من أبلغ ما يوجهها الأنبياء عليهم السلام إلى قومهم، وأنَّها تؤدي ثمارها في حالة السلب والإيجاب بالنسبة للنَّاصح، فإن قبلها القوم، عاد نفعها عليه وعليهم في الدنيا والآخرة، وإن رفضوها، فالنتيجة الحتمية هي العذاب لهم، والأجر للناصح.
إذًا فكلُّ ناصح فهو مأجور على نصيحته مهما كانت النتائج، وذلك إذا خلصت نيته، وعمل بتوجيهات الله سبحانه وتعالى.
قال “النووي” رحمه الله :
وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى : فالإيمان بأنه كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيلُهُ لَا يُشْبِههُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ ، ثُمَّ تَعْظِيمُهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، وَتَحْسِينُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ ، وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الطَّاعِنِينَ، وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ، وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ، وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ، وَالْعَمَلُ بِمُحْكَمِهِ، وَالتَّسْلِيمُ لِمُتَشَابِهِهِ، وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَنَشْرُ عُلُومِهِ، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ، والى ما ذكرناه مِنْ نَصِيحَتِهِ ) “شرح النووي على مسلم” .
إذاً النصح لكتاب الله: يكون من خلال الإيمان بأنه كلام الله حقيقة، نزل به جبريل على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يشبهه شيء من كلام البشر، وتعظيمه، وتلاوته حق التلاوة، والذب عنه، والتصديق بأخباره، والوقوف مع أحكامه، وتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والإيمان بمتشابهه، والعمل بمحكمه، وتدبر معانيه، والاعتبار بمواعظه، وتعلمه، وتعليمه، ونشر فضائله وأسراره وحكمه، والاشتغال بتفسيره وفق مراد الله ومراد رسوله، ورد عنه انتحال المبطلين، وتحريف المبتدعين، وغلو الغالين.
وهم الولاة من الخلفاء الراشدين فمن بعدهم ممن يلي أمر هذه الأمة ويقوم به، فمن نصيحتهم بذل الطاعة لهم في المعروف، وجهاد الكفار معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج عليهم.
وقد يحمل ذلك أيضًا في الأئمة الذين هم علماء الدين، فمِن نصيحتهم قَبول ما رووه إذا انفردوا، وتقليدهم ومتابعتهم على ما رووه إذا اجتمعوا.
قال ابن رجب :
” وأما النصيحة للمسلمين: فأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه، كرخص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب ما يصلحهم، وألفتهم ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم، وقال أبو عمرو بن الصلاح: النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير، إرادة وفعلاً.
انتهى من “جامع العلوم والحكم”
فالسكوت على المنكر مضرة للجميع وليست تلك المضرة قاصرة على فاعل المنكر. يقول تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعملوا أن الله شديد العقاب}.
على الناصح أن يرجو بنصيحته وجه الله تبارك وتعالى، فلا يقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية، من رياء، وسمعة، وحب، شهرة، وغيرها، قال تعالى: { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3].
فلا تبادر إلى تصديق كل ما يقال عن أخيك المسلم من جار أو صديق، ولا تصدق كل ما يُقال ولو سمعته من ألف فم، بل يجب عليك عدم إساءة الظن بالآخرين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12]
قال رجل للأحنف بن قيس: أخبرني الثقة عنك بسوء، قال: الثقة لا ينمّ.
الذي يقوم بالنصيحة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالماً بما ينصح به، ولديه علم شرعي وأدلة من الكتاب والسنة في الجانب الذي يتكلم فيه، قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
قال “المناوي”: (الناصح يحتاج إلى علم كبير وكثير، فإنه يحتاج أولا إلى علم الشريعة وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس، وعلم الزمان، وعلم المكان، وعلم الترجيح إذا تقابلت الأمور فيفعل بحسب الأرجح عنده، وهذا يسمى علم السياسة، فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها، فلذلك قالوا: يحتاج الناصح إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وتأنٍّ، فإن لم تجمع هذه الخصال فخطؤه أسرع من إصابته فلا ينصح).
بمعنى أن يكون قدوة في نفسه داعيا بمظهره وجوهره، قال الله تعالى منكرا على أهل الكتاب الذين يأمرون الناس بالبر ولا يأتمرون به: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
وعن جُنْدُب بن عبد الله قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ ).
قال الراغب الأصفهاني: أول النصح أن ينصح الإنسان نفسه فمن غشها فقلما ينصح غيره.
يقول ابن قدامة: فكن أحد رجلين: إمَّا مشغولاً بنفسك، وإما متفرغًا لغيرك بعد الفراغ من نفسك، وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك.
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ . . . هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى . . . كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا . . . فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى . . . بِالْقَوْلِ مِنْك وَيُقْبَلُ التَّعْلِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ . . . عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ
وهذا من أهم آداب النصح، فالأصل في النصيحة الإسرار: ومن بليغ الحكمة قولهم: النصيحةُ أمنُ الفضيحة.
قال الله تعالى لسيد الناصحين -صلى الله عليه وسلم-: { وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } [النساء: 63].
أي: وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم، فإن ذلك أقرب إلى ترقيقهم.
قال أبو حاتم البستي: لا تكون النصيحة إلا سرّاً؛ لأن من وعظ أخاه علانية فقد شانه، ومن وعظه سرّاً فقد زانه، فإبلاغ المجهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه. . . . وعلامة الناصح الذي أراد زينة المنصوح له: أن ينصحه سرّاً، وعلامة من أراد شينه: أن ينصحه علانية، فليحذر العاقل نصحه الأعداء في السر والعلانية.
مع انتقاء الألفاظ المحببة، وعدم استخدام الأساليب المنفرة، قال تعالى: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
فعلى النَّاصح أن يكون فَطِنًا لبيبًا في اختيار الأحوال والأزمنة المُناسبة، وعليه أن يقتنص الفُرَص السَّانحة، فاختيار الحال والزَّمان المناسب من أكبر الأسباب لقبول النَّصيحة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم– يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.
وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان: فابتغوا لها طرائف الحكمة.
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها.
جاء الدين الحنيف بإخلاص النصيحة وبذلها، وبأن نؤمن ونعترف بوحدانية الله عز وجل ، وننزهه عن النقائص ونصفه بصفات الكمال، وأن القرآن كلامه منزل غير مخلوق، نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه، ونصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بما جاء به ونمتثل أمره ونجتنب ما نهى عنه، وننصح لأئمة المسلمين بمعاونتهم على الحق وإرشادهم إلى ما جهلوه ونذكرهم ما نسوه أو غفلوا عنه، ونرشد عامة المسلمين إلى الحق، ونكف عنهم الأذى منا ومن غيرنا على حسب الاستطاعة، ونأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، والجامع للنصح لهم: أن نحب لهم ما يحب كل منا لنفسه.
الإخلاص له: بالاعتراف بوحدانيته من خلال:
1. تنزيهه عن جميع النقائص والعيوب.
2. إثبات أسمائه وصفاته على الوجه اللائق به.
3. توحيده في أفعاله وأفعال الخلق بالتأله له وعدم الإشراك به أحدا من خلقه.
4. تحكيم شرعه والقيام بطاعته واجتناب معصيته.
5. الحب فيه والبغض فيه.
6. تعظيمه وخشيته ورجاؤه ومحبته
الإخلاص التام في العبادة:
1. من صلاة وصيام، وزكاة، وحج.. بحيث لا تشوبها شائبة من رياء أو تقصير.
2. الاجتهاد بالتقرب إليه بنوافل الطاعات وترك المكروهات.
3. وأن يجاهد في الله بقدر استطاعته، فيغير المنكرات بيده، أو بلسانه، أو بقلبه.
1- أن النصيحة دِينٌ وإسلام، وأن الدِّين يقع على العمل كما يقع على القول.
2- النصيحة فرض كفاية، يُجزئ فيه مَن قام به ويسقط عن الباقين.
3- النصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقْبَلُ نُصْحُه، ويُطاع أمره، وأَمِنَ على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذًى فهو في سَعَة.
4- الدين الإسلامي قائم على التناصح.
5- النصيحة لله ما يلزم في حقه سبحانه وتعالى، وما ينتفي في حقه.
6- النصيحة لكتابه: الإيمان به والعمل بما فيه.
7- النصيحة لرسوله: التصديق في جميع ما جاء به والتزام طاعته.
8- النصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق وامتثال أمرهم في غير معصية.
9- النصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى ما يصلح دينهم ودنياهم.
10- تحريم الغش؛ لأنه ضد النصيحة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن غشَّنا فليس منَّا).
11- ينبغي أن تكون النصيحة برفق وأن تكون سرًّا؛ قال الشافعي: مَن وعَظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانَه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانَه