مهارة القراءة السريعة: تمارين وكيفية تطويرها
تعتبر القراءة السريعة من أبرز المهارات، التي يجب أن يتمتع بها المثقفين، من شبابنا في…
اقرأ المزيدالمحتوى
كان طفلًا هادئًا، متميزًا بين أقرانه، وكان شغوفًا بمساعدة الآخرين، كان خياله كثيرًا ما يجنح به نحو غابات القارة السمراء،كانت أفريقيا ببؤسها ومشكلاتها جزءًا من أحلامه، ثم كبر هذا الطفل وفعلًا صارت أفريقيا جزءًا من قدره وواقعه، فتصدر العمل التطوعي الخيري والدعوة إلى الله تعالى لمدة تزيد عن ربع قرن، إنه رائد العمل الخيري وصاحب الدعوة بالإغاثة، إنه الداعية الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله تعالى، القائل: (سألقي عصا الترحال يوم تضمنون لي الجنة).
ولد عبد الرحمن السميط في الكويت عام (1366هـ – 1947م).
تقول والدته: كانت تربيته سهلة، حتى أن أمراض الطفولة كانت تمر عليه خفيفة فلا يُحس بها، كان يلعب دور الطبيب منذ صغره، كان مواظبًا على صلاة الجماعة في المساجد وله من العمر (6) سنوات حتى أطلق عليه لقب “المطوع”، كان شغوفًا بالقراءة لدرجة أنّ والده كان يتردد في اصطحابه معه إلى السوق، لأنه ما إن يرى قصاصة ورق أو صحيفة أو غير ذلك ملقاة على الأرض إلا التقطها وبدأ يقرأ بها، وربما أدى ذلك إلى اصطدامه بالناس في الطريق.
أحب الكشافة منذ صغره، وأمضى (7) سنوات مع الكشافة، وتعلم الكثير منها (المسير في الليل – المبيت في الصحراء ليلًا – وغير ذلك)، قام برحلة حول البحر المتوسط، فأصبح يعتمد على نفسه.
الكشافة إذا كانت منضبطة بالقيم الأخلاقية تصنع قادة:
الله هيأ عبد الرحمن السميط لتحمل المشاق والشدائد من خلال الكشافة
العمل التطوعي يصقل الشخصية القيادية، فقد صار جزءًا من تفكيره، وقد تحققت له أول مبادرة خيرية في المرحلة الثانوية، فقد لفت انتباهه مجموعة من العمال الذين تغربوا عن بلادهم: (يعملون في حرّ الشمس، ثم إذا انتهوا من عملهم وقفوا لانتظار وسيلة النقل، وربما طال انتظارهم)، فقرر مع زملائه شراء سيارة قديمة والعمل على نقل هؤلاء العمال إلى منازلهم بالمجان.
حلم مساعدة الضعفاء لم يكن نزعة عارضة، والدليل عليها أنه عندما كبر؛ وظّف قدراته في تحقيق حلمه وأفكاره (نقل العمال نموذجًا).
(نتعرض في بعض الأحيان لمنعطفات في حياتنا – من محن وابتلاءات ومواقف شديدة – تجبرنا على تغيير اتجاهنا، والحقيقة أن الله هو الذي يغير هذا المسار وفق ما يشاء، لأن هذه دعوة الله ونحن خدم لها، وربما نتمنى السير في طريق فيغيره الله لنا نحو الأفضل).
أنهى دراسته الثانوية بتفوق، وتقدم بطلبين لدراسة الطب أحدهما في مصر، والآخر في الولايات المتحدة الأمريكية، وأتى القبول في الدولتين، لكنه اختار الدراسة في جامعة بغداد، بعدما سمع بصعوبة الدراسة فيها (الكلية التي لا ينجح فيه أحد)، فالتحق بها.
قبول التحدي جزءٌ من تشكيل الشخصية.
في العراق تأثر بعمل الجماعات الإسلامية، وبدأ ينتمي إليها فكريًا وقلبيًا، دون أن ينخرط معهم في مجالسهم، فازداد التزامه الديني، وأخذ بشراء الكتب وتوزيعها على الناس، فقامت السلطات الدكتاتورية باعتقاله لمجرد التزامه الديني، الذي ربما يؤدي إلى الإعدام في بعض الأحيان، ثم إنه غادر بغداد بعد تخرجه لإتمام دراساته العليا.
كان الطبيب الإنسان: إذ عُرف عنه مراعاته لأحوال المرضى، وسؤاله عن ظروفهم، وأحوالهم الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، وسعيه في قضاء حوائجهم، ولا جرم.. فقد أحب عمله كثيراً فهو حلم حياته منذ الطفولة.
كان العمل الخيري هو الجزء الأهم في حياته، فيرى أن الإسلام كان سبّاقًا في الحث على خدمة الإنسان أنى كانت عقيدته ومذهبه.
دراسته أكدت له أنّ ملايين المسلمين في أفريقيا: لا يعرفون عن الإسلام إلا الخرافات، وأنّ غالبيتهم كانوا عرضة للتنصير، وأنّ أبناء المسلمين قد تنصروا فعلًا بفعل حركات التبشير المنتشرة في أفريقيا من خلال الأعمال الخيرية (في الكنائس في علاج المرضى)، فأخذ على عاتقه مهمة العمل الخيري في أفريقيا، وإنقاذ الناس من براثن الكفر والشرك، مهمة تكاد تكون مستحيلة، ولكن:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام
تقدم بمشروع عمل خيري إلى وزارة الأوقاف الكويتية، لكنه لم يلق قبولًا، ثم جاءت إحدى المحسنات فتبرعت بمبلغ لبناء مسجد خارج الكويت، فبناه في جمهورية مالاوي، وأقام عليه شخصيًا ليطلع على واقع الشعوب من أرض العمل.
كان يرى أن مواجهة المجاعات والكوارث لا يقتصر على الدول، وأن الدينار والدرهم والريال قد يفعل الكثير، مع إيمانه أن العمل المؤسسي هو الأساس، فاختار أن يعمل جمعية مسلمين أفريقيا التابعة للخير والنجاة الخيرية، ثم استقل بجمعية (أصبحت أكبر منظمة عالمية إغاثية في أفريقيا) هي جمعية العون المباشر.
إذا وُجٍد الإخلاص في العمل كانت النتائج تعجز عقول البشر:
نال العديد من الشهادات والأوسمة، لكن كلمته الخالدة: (نحن لا ننتظر شهادات من أحد، نحن عملنا في الميدان، وننتظر من الله فقط أن يتقبل منا).
إفريقيا هي شغله الشاغل في يقظته ونومه، في آخر حياته دخل في غيبوبة، فكان كلما أفاق من غيبوبته يسأل عن إفريقيا، وألف كتبًا حملت عناوين إفريقيا على أغلفتها.
استمر يعمل في الدعوة بعد أن طعن به السنّ، وثقلت حركته وأقدامه، وإصابته بالسكر وبآلام في قدمه وظهره.
طُلب منه أن يريح نفسه فقال: (سألقي عصا الترحال يوم تضمنون لي الجنة، ودون ذلك فالعمل حتى يأتي اليقين، فالحساب عسير).
وقال أيضًا: (كيف تريدون مني أن أتقاعد وأرتاح والملايين بحاجة لمن يهديهم).
عام (1434هـ – 2013م) ترجل هذا البطل وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، ودفن في الكويت، وبكاه خلق كثير جدًا، وأكثر من فقده من سكن في قلوبهم، بعد أن أسكنهم في قلبه وعقله وحياته، فكان بحق كما اعتاد أن يذيل كتابته: (خادم الفقراء وخادم الأيتام)، رحمه الله تعالى.
(أعلى درجات السعادة تتحقق بالعطاء لا بالأخذ، وبالإنجاز لا بالراحة، وبالانشغال لا بالفراغ).
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
مالكوم اكس والتغيير ونظام الملك وأسس الدولة الناجحة
و محمد بن القاسم الثقفي وضحايا الخلاف السياسي
أسلم على يديه (11) مليون إنسان بمعدل (1000) كل يوم.
توفي عام عام (1434هـ - 2013م) في الكويت رحمه الله تعالى