إن الحديث عن عذاب القبر والتخويف منه إنما يقصد منه الحثُّ على العمل، يقول “الإمام الغزالي”: (لا يسلم من أهوال يوم القيامة إلا من أطال فكره فيها، فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد)، والخوف المقصود هنا ليس هو رقة القلب للحظات ثم يقسو ويعود للهو واللعب، ولكن المقصود بالخوف الذي يدفع للعمل، ويجعل الإنسان يفرّ إلى الله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، والأسوأ من هذا من إذا ذكرت عنده أحوال الآخرة، وأهوال يوم القيامة وأحوال الموتى وعذاب القبر قال: أعوذ بالله ثم لا يفعل شيئاً.
عذاب القبر في الإسلام والأدلة على وجوده
يقول شارح العقيدة الطحاوية: تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبرونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، والشرع لا يأتي ما تستحيله العقول، بل إن الشرع قد يأتي بما تحار به العقول، فإن عودة الروح إلى الجسد ليس على الشيء المعهود في الدنيا، فتعاد إليه الروح غير الإعادة المعروفة في الدنيا.
ويقول: اعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، كل من مات وهو مستحق للعذاب نال نصيبه منه، قُبِر أم لم يُقبَر، وما ورد من إجلاس الميت واختلاف أضلاعه ونحو ذلك، فيجب أن يفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده، كيف؟ لا ندري ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ يروي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نزلت في عذاب القبر).
عن هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فيقال له: قد تَذكر الجنَّةَ والنَّار فلا تبكي وتبكي مِن هذا؟ فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ) رواه الترمذي، وابن ماجه.
عن أبي هريرة: أن امرأةً سوداءَ كانتْ تَقُمُّ المسجد ففقَدَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال: (أفلا كنتم آذَنتُموني)، فكأنهم صغَّروا أمرَها، فقال: (دُلُّوني على قبرها)، فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: (إن هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلْمةً على أهلها، وإن الله تعالى يُنوِّرُها لهم بصلاتي عليهم) متفق عليه.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ).
عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً خيراً منه )، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [رواه النسائي].
عنْ أبِي أيُّوبَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، فَسَمِعَ صَوْتا فقالَ (يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا) [البخاري].
الأدلة التي تدل على وجود عذاب في القبر
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ يروي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نزلت في عذاب القبر) البخاري 1369.
عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ((دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقالَتَا: إنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، قالَتْ: فَكَذَّبْتُهُما وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ عَجُوزَيْنِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، فَقالَ: (صَدَقَتَا، إنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ) قالَتْ: فَما رَأَيْتُهُ، بَعْدُ في صَلَاةٍ إلَّا يَتَعَوَّذُ مِن عَذَابِ القَبْرِ)). البخاري ومسلم
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من شيءٍ لمْ أكُنْ أُرِيتُهُ، إلَّا رأيتُهُ في مَقامِي هذا، حتى الجنَّةَ والنارَ، ولَقدْ أُوحِيَ إليَّ أنَّكمْ تُفتَنُونَ في قُبورِكمْ، مِثلَ أوْ قرِيبًا من فِتنةِ المسيحِ الدَّجالِ، يُؤتَى أحدُكمْ فيُقالُ لهُ: ما عِلْمُكَ بِهذا الرجلِ؟ فأمّا المؤمِنُ أوِ المُوقِنُ، فيَقولُ: هوَ مُحمدٌ رَسولُ اللهِ، جاءَنا بِالبيِّناتِ والهُدَى، فأجَبْنا وآمَنّا، واتَّبَعْنا، هوَ مُحمدٌ (ثلاثًا)، فيُقالُ لهُ: نَمْ صالِحًا، قدْ علِمْنا إنْ كُنتَ لَمُوقِنًا به، وأمَّا المنافِقُ أو المُرتابُ، فيَقولُ: لا أدْرِي، سمِعتُ الناسَ يَقولونَ شيئًا فقُلتُهُ) البخاري ومسلم.
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ علَى بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معهُ، إذْ حَادَتْ به فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ -قالَ: كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيْرِيُّ- فَقالَ: (مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه الأقْبُرِ؟) فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا، قالَ: (فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟) قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ، فَقالَ: (إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الَّذي أَسْمَعُ منه)، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ)، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ)، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالَ: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ)، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. رواه مسلم.
أسباب عذاب القبر
السبب الرئيسي هو معصية الله عز وجل، وارتكاب المعاصي وترك المأمورات وإتيان المنهيات.
أسباب عذاب القبر بالتفصيل
عدم الاستبراء من البول، والمشي بين الناس بالنميمة:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟!) أخرجه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة
وعند البيهقي: ( أتيت ليلة أُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت وفت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به) رواه البيهقي في “شعب الإيمان” وحسنه الألباني في صحيح الجامع (128).
الإفطار في رمضان من غير عذر
فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بضَبُعَيَّ ، وأتيا بي جبلاً فقالا لي: اصعد، فقلت : إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، قال: فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قال: هذا عواء أهل النار .
ثم انْطُلِق بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم).
أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه الألباني في الصحيحة (3951).
الغلول من الغنائم:
ذكر ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل الذي غلّ الثوب في بعض مغازيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (والذي نفسي بيده إن الشملة [ثوب] التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تُصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً) [أخرجه البخاري ومسلم].
والغلول: هو أخذ الغازي شيئاً من الغنيمة دون عرضه على ولي الأمر لقسمته.
جرّ الثوب خيلاء
يدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجلٌ يجر إزاره إذ خُسف به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة) أخرجه البخاري ومسلم.
والتجلجل: أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق.
فالمعنى: يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطرباً متدافعاً.
السرقة من الحُجَّاج
دلَّ على ذلك حديث جابر رضي الله عنه في صلاة الكسوف، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ؛ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ) رواه مسلم، والمحجن: عصا معوجة الرأس.
حبس الحيوان وتعذيبه وعدم رحمته
ففي حديث جابر رضي الله عنه في صلاة الكسوف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رَأَيْتُ فِيهَا [أي النار] صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ) رواه مسلم.
الدَّيْــن
إن مما يضر الميت في قبره ما عليه من دين، فعَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ قَالَ: مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلَاثَ مِائَةِ دِينَارٍ، وَتَرَكَ وَلَدًا صِغَارًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَاذْهَبْ فَاقْضِ عَنْهُ).
قَالَ: فَذَهَبْتُ فَقَضَيْتُ عَنْهُ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلا امْرَأَةً تَدَّعِي دِينَارَيْنِ، وَلَيْسَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: (أَعْطِهَا فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع.
أنواع عذاب القبر
يتنوع العذاب في القبر بحسب الذنب الذي اقترفه صاحبه في الدنيا، سواء كان للكفار أو للعصاة، فمن صور العذاب:
الضرب بمطرقة من حديد.
يفرش له قبره ناراً، ويلبس ناراً.
ويفتح له باب إلى النار، ويضيَّق عليه قبره.
ويضرب بمطرقة عظيمة لو ضرب بها جبل لصار تراباً.
ويبشر بالعذاب في الآخرة، ولذلك يتمنى ألا تقوم الساعة.
الخسف في الأرض.
شق جانبي الفم إلى القفا.
رضخ الرأس بالحجارة.
الحرق في تنور من نار.
السباحة في نهر من دم مع الضرب بالحجارة.
اشتعال المال المسروق من الغنائم على صاحبه.
ومع هذا العذاب الحسي هناك أيضاً عذاب معنوي (نفسي)، وهو أن الكافر يُرى في قبره مقعده من الجنة لو أطاع الله، فيزداد بذلك حسرة وألما لما يرى من عظم النعيم الذي فاته.
حديث رؤيا رسول الله لعذاب أهل القبور
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال فيقص عليه من شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما:
وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتهدهد الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما سبحان الله ما هذان؟! قال: قالا لي انطلق انطلق.
قال فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، قال وربما قال أبو رجاء: فيشق، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت سبحان الله ما هذان؟! قال: قالا لي انطلق انطلق.
فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما ما هؤلاء؟! قال: قالا لي انطلق انطلق.
قال فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة؛ فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً، قال: قلت لهما ما هذان؟! قال: قالا لي انطلق انطلق.
قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها، قال: قلت لهما ما هذا؟! قال: قالا لي انطلق انطلق.
فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما ما هذا؟! ما هؤلاء؟! قال: قالا لي انطلق انطلق.
قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي ارق فيها قال فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة.
قال: قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال: فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قال: قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا أما الآن فلا وأنت داخله، قال: قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي أما إنا سنخبرك:
أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة.
وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.
وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني.
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا.
وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم.
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين.
وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسناً وشطر قبيحاً، فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم.
نعم هو ثابت بنص القرآن الكريم والسنة النبوية: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ يروي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نزلت في عذاب القبر).
- • عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ((دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقالَتَا: إنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، قالَتْ: فَكَذَّبْتُهُما وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ عَجُوزَيْنِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، فَقالَ: (صَدَقَتَا، إنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ) قالَتْ: فَما رَأَيْتُهُ، بَعْدُ في صَلَاةٍ إلَّا يَتَعَوَّذُ مِن عَذَابِ القَبْرِ)). البخاري ومسلم
كيف يكون عذاب القبر للمسلم؟
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا خيرا منه ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فيراهما جميعا) .
- • عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من شيءٍ لمْ أكُنْ أُرِيتُهُ، إلَّا رأيتُهُ في مَقامِي هذا، حتى الجنَّةَ والنارَ، ولَقدْ أُوحِيَ إليَّ أنَّكمْ تُفتَنُونَ في قُبورِكمْ، مِثلَ أوْ قرِيبًا من فِتنةِ المسيحِ الدَّجالِ، يُؤتَى أحدُكمْ فيُقالُ لهُ: ما عِلْمُكَ بِهذا الرجلِ؟ فأمّا المؤمِنُ أوِ المُوقِنُ، فيَقولُ: هوَ مُحمدٌ رَسولُ اللهِ، جاءَنا بِالبيِّناتِ والهُدَى، فأجَبْنا وآمَنّا، واتَّبَعْنا، هوَ مُحمدٌ (ثلاثًا)، فيُقالُ لهُ: نَمْ صالِحًا، قدْ علِمْنا إنْ كُنتَ لَمُوقِنًا به، وأمَّا المنافِقُ أو المُرتابُ، فيَقولُ: لا أدْرِي، سمِعتُ الناسَ يَقولونَ شيئًا فقُلتُهُ)، البخاري ومسلم
ما هي أسباب عذاب القبر؟
السبب العام والشامل هو مخالفة أوامر الله و معصية الله عز وجل، كارتكاب المعاصي وترك الأمورات وإتيان المنهيات. أما تفصيلا : 1- عدم الاستبراء من البول، والمشي بين الناس بالنميمة. 2- الكـــــــذب. 3- هجر القرآن بعد تعلُّمه، والنوم عن الصلاة المكتوبة. 4- أكل الربا. 5- الزنـــا. 6- أمر الناس بالبر ونسيان النفس. 7- الإفطار في رمضان من غير عذر. 8- الغلول من الغنائم . 9- جرّ الثوب خيلاء. 10- السرقة من الحُجَّاج. 11- حبس الحيوان وتعذيبه وعدم رحمته. 12- الدَّيْــن