احترام النظام
احترام النظام، أحياناً تبدو الأمور معقدة لدرجة أن الإنسان يعجز عن إيجاد حل لها، وأحيانا تبدو سهلة وسلسة ولا تحتاج حتى إلى مجرد تفكير وتنظيم، وفي كلتا الحالتين قد يكون الأمر مختلفا تماما،
اقرأ المزيدالتضرع إعلان لافتقار العبد إلى الرب سبحانه وتعالى، واستجابة لما قرره الجليل عز وجل حين قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[سورة فاطر: 15]ِ.
هذه الصلة بين عبد ضعيف مفتقر لكل شيء، وربّ عظيم صمد يلوذ به كل شيء، لا بدَّ لتؤتي ثمارها مِنْ آداب يقف فيها العبد على أعتاب ربّه راجياً فضله وعطاءه وكرمه، فما هي آداء الدعاء والتضرع لله تعالى؟
أولاً وقبل كل شيء على العبد أن يأتِ ربه متجرّداً عن ومن كل شيء، موحّداً قاصداً ربه لا ير معه شيء، فربنا كما أخبرنا غيور لا يقبل معه شريكاً قط، لذلك يشترط في الدعاء الإخلاص لله فيه، قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة غافر: 14].
وحقيقة الإخلاص هي التصفية وتخليص الشيء من الشوائب، فالإخلاص في الدعاء طريق الوصول إلى رضا الله تعالى ورحمته؛ لاعتقاد العبد الكامل أنّ النفع والضر بيده سبحانه وحده، وأنه المستحق للتضرع له سبحانه.
وبعد الإخلاص توجه إلى الله بصدق فالله يعلم السرّ وأخفى، والصدق مع الله تعالى لا يتحقق إلا بلزوم تقواه، والاستقامة على ما يحبه ويرضاه، بحيث تكون همّة العبد متعلقة بربه ومولاه، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2-3}.
قال السعدي في تفسير قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]: الذين صدقوا هم المتصفون بما ذكر من العقائد الحسنة، والأعمال التي هي آثار الإيمان وبرهانه ونوره، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية، فأولئك هم {الَّذِينَ صَدَقُوا} في إيمانهم، لأن أعمالهم صَدَّقت إيمانهم.
الدعاء عبادة غفل كثير من الناس عنها، مع أنها أصل العبادات وجوهرها؛ وأيما عبادة من العبادات اقترنت بالتضرع فحري أن يقبلها الله -تعالى-، وأيما عبادة تجردت منها فقد فقدت روحها ولبّها؛ فكل صلاة أو حج أو زكاة أو دعاء أو ذكر خلت من التضرع والخشوع فقد خلت من مقصودها.
وفي التضرع والخشوع إعلان لافتقار العبد إلى الرب، واستجابة لما قرره الجليل -عز وجل- حين قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [سورة فاطر: 15]، فالعبد إذا تضرع إلى ربه؛ فإنه يقرّ بعجزه وحاجته إلى الغني -سبحانه وتعالى- ليسد تلك الخلة وذلك الفقر.
البدء بحمد الله والثناء عليه من آداب الدّعاء؛ ليكون دعاء المسلم أقرب للإجابة ويحصل له منه أكبر أجر، ويتخيّر لذلك أفضل ما يحسنه من الألفاظ التي تليق بالله ويتخيّر أنبل الصّفات وأكرمها، فهو يخاطب ملك الملوك، ويختم دعاءه بالثناء والحمد.
روى الترمذي قال: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ“، ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ” [صحيح الترمذي].
الصلاة على النبيّ ﷺ من الآداب التي يحسن بالداعي مراعاتها عند شروعه بالدعاء، وذلك لأنّ الصّلاة على النبيّ استجابة لأمر الله تعالى لنا حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 56]، وينال العبد بها أجر الصّلاة على النبيّ ﷺ: فيُصلّي على النبيّ ﷺ قبل الدّعاء، وبعد الحمد والثناء، ويُصلّي على النبيّ ﷺ أوّل الدّعاء وأوسطه وآخره، قال النبي ﷺ: “كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي ﷺ“ [رواه الطبراني].
إنّ التوبة والاعتراف بالذّنب أثناء الدّعاء هو من آداب الدّعاء ومن أسباب قبوله وهو خُلق الأنبياء، وممّا علّمه رسول الله ﷺ لأصحابه وأمّته من بعده، قال تعالى -حكايةً عن النبيّ يونس- عليه السّلام: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنبياء: 87].
عن أبي بكر الصدّيق رضيَ الله عنه أنّه قال لرسول الله ﷺ: (عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).
الإلحاح يعني الإقبال على الشيء ولزومه والمواظبة عليه، وهنا يعني إكثاره وتكراره، وترديد صفات الله ودعائه بأسمائه، واللّجوء إليه والإقرار بألوهيّته وربوبيّته، هو من آداب الدعاء التي تدلّ على صدق الداعي في دعائه.
والإلحاح في الدعاء وعدم استعجال الاستجابة سبيل قبوله وذلك لقول النبي ﷺ: (يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) [متفق عليه].
ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين وثلاثاً، ولكن الاقتصار على الثلاث مرات أفضل اتباعاً، فقد روى ابن مسعود أن رسول الله ﷺ كان يعجبه أنْ يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً.
فلا يستعجل الداعي في دعوته فيستحسر ويسأم ويترك الدعاء، واللائق بالعبد أن يلازم الطلب ولا ييأس ولا يستعجل؛ فإن العبد لا يعرف المصلحة: هل هي في وقوع المطلوب أو في غيرها أو تأجيله في الآخرة وادخار الأجر له، قال ﷺ: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي).
فننصحك بعدم اليأس من استجابة الدعاء، فواصل سؤال الله حاجاتك ولا تعجل، وثق بوعد الله بالاستجابة لمن دعاه ما لم يستعجل، وكن على يقين بالإجابة؛ لقول النبي ﷺ: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ” [رواه الترمذي].
ألا يدعو الإنسان على نفسه أو ماله أو عياله؛ لأنه قد تصادف وقت إجابة، فيقع ما دعا به، فيندم على ذلك أشدّ الندم، ويتحسر على فعلته، قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لا تَدعُوا عَلى أَنْفُسِكُم، وَلا تدْعُوا عَلى أَولادِكُم، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُم، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسأَلُ فِيهَا عَطاءً، فيَسْتَجيبَ لَكُم) [رواه مسلم].
إنّ الذي ورد في نصوص الوحي وأدعية السلف هو تقديم النفس في الدعاء، ثم تقديم الوالدين على مَنْ سواهما؛ فقد قال الله تعالى على لسان نوح -عليه السلام-: “رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات”، وكان السلف يدعون لأنفسهم ولوالديهم أولاً، ثم يدعون لغيرهم، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فمن ذلك قول الإمام أحمد بن حنبل: “اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي”.
فينبغي للمسلم الاهتمام بشؤون إخوانه المسلمين، ولا شك أن من الاهتمام بشؤونهم الدعاء لهم بالمغفرة أو الشفاء أو نحو ذلك من كل ما يكون سبباً في صلاح أحوالهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تنبغي الصلاة إلا على النبي ﷺ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار.
ودعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب تؤمن عليه الملائكة ويكون مستجاباً، ففي صحيح مسلم أنّ رسول الله ﷺ قال: “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل”.
وعليه فلا تترك الدعاء للمسلمين بكل ما يشتمل على خير كالشفاء مثلاً، فإذا استجيب هذا الدعاء في بعضهم فلك أجر ذلك، وإن لم تتحقق الإجابة؛ يكون ثواب هذا الدعاء مدخراً لك أنت عند الله تعالى في الآخرة.
الإكثار من المسألة أدب في الدعاء، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، وكلما أكثر العبد من الدعاء وطوله وأعاده؛ كان ذلك أبلغ لعبوديته وإظهار فقره وتذلُله، وكان ذلك أقرب له من ربه وأعظم ثواباً هذا بخلاف المخلوق، فالله يغضب إنْ تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب.
توضأ وتوجه للقبلة واحمد الله وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم وألح في الدعاء.
الإخلاص لله وحمده والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واليقين بالإجابة.
أن تبدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تسأل الله من خيري الدنيا والآخرة.
كان يتوضأ ويستقبل القبلة عند الدعاء ويخشع ويتضرع فيحمد الله ويُثني عليه و يدعوه بأسمائه الحسنى ويكرر دعاءه.