أسرار الزواج السعيد
نصادف أحياناً زوجين مرّ على رحلتهما الزوجية سنوات طويلة، إلا أنهم يتألقان فرحاً وسعادةً وينسجمان…
اقرأ المزيدقامت الدولة الإسلامية على أيدي رجال أقوياء، كان بين أبرزهم الخليفة عمر بن الخطاب: الذي استقر الحكم في عهده واتسعت رقعة الدولة، والقائد العسكري الفذّ خالد بن الوليد: الذي حافظ عليها من خطر الانهيار بعد وفاة النبي ﷺ، وقاد معارك فتح العراق والشام، ولكن يبدو أن الصدام بين ابن الخطاب وابن الوليد كان حتميًا، فما قصة ذاك الخلاف؟
أحاطت التحديَّات الكبرى بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إحاطةَ السوار المعصم، وأبرزها الردة العارمة التي اجتاحت معظم قبائل ومناطق الجزيرة العربية، باستثناء: (مكة، والمدينة، والطائف)، لم يكتفِ المرتدون بالتخلي جزئيًا أو كليًا عن شعائر الإسلام ومظاهره، إنما قتلوا الكثير من المتمسكين بالإسلام بينَ ظهرانيهم، وحشد بعضهم الجيوش لغزو المدينة المنورة نفسها، والقضاء على الإسلام في معقله.
أطلق الصدّيقُ خالدَ بن الوليد في قيادة أحد أكبر جيوش المسلمين المُقاتِلة للمرتدين، وحقق انتصاراتٍ باهرة على مدعي النبوة “طليحة الأسدي”، ولم يعفُ عن القبائل التي عادت إلى الإسلام إلا بعد أن سلَّموا من نكَّل منهم بالمسلمين في أول الردة، فأوقع بهؤلاء عقوباتٍ بالغة القسوة تتناسب مع إجرامهم، قتلًا وحرقًا ورجمًا وإلقاء من حالق.
بعد هزيمة طليحة بادر خالد بالتوجه إلى منطقة تعرف بالبطاح، وفيها مالك بن نويرة، ومعه جمع من قبيلة تميم امتنعوا عن الزكاة، ما إن علم مالك بقرب جيش خالد، حتى فرَّق أصحابه، وفضَّل تجنب المواجهة الخاسرة، لكن نجح جُند خالد في أسره وبعض أنصاره، ثم قتلوه بعد الأسر.
تضطرب الروايات في ذكر سبب قتل خالد لهؤلاء، فبعضها يذكر أنه كان خطأ، حيث أمر خالد الحراس أن يُدفئوا الأسرى في ليلةٍ باردة، فظنُّوا أنها كناية عن القتل، بينما تذكر روايات أخرى أن خالدًا ناقش مالكًا، فاستخدم الأخير كلمة (صاحبكم) متحدثًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فغضب خالد، وقال له: أهو صاحبنا وليس صاحبك؟!، واعتبرها دلالة على ردة مالك، فقتله.
عندما وصلت أنباء الواقعة إلى المدينة مع بعض جند خالد ممن اعترضوا على قتل مالك، غضب عمر بن الخطاب بشدة، لاسيَّما وقد سبق له مراجعة الصدّيق كثيرًا فيما يراه قسوةً مفرطة من خالد في حروب المرتدين، نجم عنها إسالة بعض الدماء التي كان يراها بريئة.
فرد أبي بكر الصديق على عمر في انتقاده الحاد لخالد: هِيهِ يَا عُمَرُ! تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ، فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ، فَإِنِّي لَا أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ.
توتَّرت الأجواء بشكل استثنائي في المسجد النبوي، وانحفر التحفُّز في وجوه الحاضرين فقد كان الغضب قد أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلَّ مأخذِ، وذلك بمجرد أن ظهر خالد بن الوليد رضي الله عنه في المسجد النبوي بعد قفوله من حرب المرتدين، إثر استدعاءٍ عاجل من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بناءً على إلحاحٍ خاصٍ من وزيره عمر للتحقيق مع خالد لقتله مالك بن نويرة وبعضَ أصحابه.
توجَّه خالد إلى أبي بكر الصديق الذي استمع إلى وجهة نظره في الأمر، فاعتبره اجتهد فأخطأ فعاتبه، وأمر برد السبي الذي أُخِذَ من مالك وأصحابه، ودفع ديَّات القتلى من بيت المال، لكنه أقرَّ خالدًا على قيادة الجيش لمواصلة الحرب ضد المرتدين، مواصلًا سياسته التي ذكرها لعمر وغيره ممن عاتبوه في خالد، والتي لخَّصها في قوله أنه لن يُغمد سيفًا سلَّه الله ورسوله على المشركين، ليواصل خالد سلسلة انتصاراته الباهرة على المرتدين ثم في فتوحات فارس والروم.
عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد من القيادة العسكرية كان قرارًا استراتيجيًا وإداريًا، ولم يكن بسبب تشكيك في كفاءة خالد أو شجاعته. الأسباب الرئيسية للعزل يمكن تلخيصها كالتالي:
عزل عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ خالد بن الوليد في المرَّة الأولى عن القيادة العامَّة، وإِمارة الأمراء بالشَّام، وكانت هذه المرَّة في السنة (13)هـ غداة تولِّي عمر الخلافة، وسبب هذا العزل اختلاف منهج الصِّدِّيق عن الفاروق في التَّعامل مع الأمراء، فالصِّدِّيق كان من سنَّته مع عمَّاله، وأمراء عمله أن يترك لهم حرِّيَّة التَّصرُّف كاملةً في حدود النِّظام العامِّ للدَّولة، مشروطاً ذلك بتحقيق العدل كاملاً بين الأفراد والجماعات، وكان أبو بكر لا يرى أن يكسر على الولاة سلطانهم في مالٍ، أو غيره ما دام قائماً في رعيتهم.
وكان الفاروق قد أشار على الصِّدِّيق بأن يكتب لخالدٍ ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ: ألا يعطي شاةً، ولا بعيراً إِلا بأمره، فكتب أبو بكر إِلى خالدٍ بذلك، فكتب إِليه خالد: إِما أن تدعني وعملي، وإِلا فشأنُك، وعملُك، فأشار عليه بعزله، ولكنَّ الصِّدِّيق أقرَّ خالداً على عمله.
لما تولَّى الفاروق الخلافة، كان يرى أنَّه يجب على الخليفة أن يحدِّد لأمرائه، وولاته طريقة سيرهم في حكم ولاياتهم، ويحتِّم عليهم أن يردُّوا إِليه ما يحدث حتَّى يكون هو الَّذي ينظر فيه، ثمَّ يأمرهم بأمره، وعليهم التَّنفيذ، فكتب إِلى خالد: ألا تعطي شاةً، ولا بعيراً إِلا بأمري. فكتب إِليه خالد: إِمَّا أن تدعني وعملي، وإِلا فشأنك بعملك. فقال عمر: ما صدقتُ الله إِن كنت أشرت على أبي بكرٍ بأمرٍفلم أنفِّذه، فعزله، ثمَّ كان يدعوه إِلى العمل، فيأبى إِلا أن يخلِّيه يفعل ما يشاء، فيأبى عليه.
عزل عمر خالداً من وجهةٍ سياسية في الحكم، وحقُّ الحاكم في تصريف شؤون الدَّولة ومسؤوليَّته عنها، وقد أثبت الواقع التَّاريخي: أنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ كان موفقاً أتمَّ التَّوفيق، ونجح في سياسته نجاحاً منقطع النَّظير، فعزل، وولَّى، فلم يكن من ولاه أقلَّ كفايةً ممَّن عزله، وقد استقبل خالدٌ هذا العزل بدون اعتراضٍ، وظلَّ رضي الله عنه تحت قيادة أبي عبيدة رضي الله عنه حتَّى فتح الله عليه قنَّسرين، فولاه أبو عبيدة عليها، وكتب إِلى أمير المؤمنين يصف له الفتح، وبلاء خالد فيه، فقال عمر قولته المشهورة: أمَّر خالد نفسه، رحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرِّجال منِّي!
في قنِّسرين جاء العزل الثاني لخالدٍ، وذلك في السَّنة (17هـ)، فقد بلغ أمير المؤمنين: أنَّ خالداً وعياض بن غنم أدربا في بلاد الروم، وتوغَّلا في دروبهما، ورجعا بغنائم عظيمةٍ، وأنَّ رجالاً من أهل الآفاق قصدوا خالداً لمعروفه، منهم الأشعثُ بن قيسٍ الكندي، فأجازه خالدٌ بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه شيءٌ في عمله، فكتب عمر إِلى قائده العامِّ أبي عبيدة يأمره بالتَّحقيق مع خالد في مصدر المال الَّذي أجاز منه الأشعث تلك الإِجازة العامرة، وعزله عن العمل في الجيش إِطلاقًا، امتثلَ أبو عبيدة لما أمره به الخليفة على غير رغبةٍ منه، لتوقيره لخالد، وأعانه خالد على ذلك بعدم مقاومته، أجاب خالد على سؤال رسول عمر عن مصدر المال باقتضابٍ، قائلاً «من مالي»، فاعتذر منه أبو عبيدة، فقبل منه خالد، وقرر الذهاب إلى المدينة ليواجه الخليفة بنفسه.
ورحل خالد إِلى المدينة، فقدمها حتى لقي أمير المؤمنين، فتعانقا عناق الأحبة وكانا في شوق كبير، ثم قال عمر متمثلاً:
صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعَ كُصُنْعِكَ صَانِعٌ وَمَا يَصْنَعُ الأقوامُ فَالله يَصْنَعُ
في المدينة عاتب خالد عمرًا، وأكد مرة أخرى أن الأموال الكثيرة التي بحوزته هي من نصيبه من الغنائم (من الأنفال، والسُّهمان)، وأخبر الخليفة أنه سيحتفظ بستين ألفًا منها فحسب، وما فوق الستين فلبيت المال. وبالفعل استصفى عمر 20 ألفًا زادت في أموال خالد وردها إلى بيت المال، وانتهى الأمر ببراءة خالدٍ أن يكون مدَّ يده إِلى غنائم المسلمين، ثمَّ قال: يا خالد! والله إِنَّك عليَّ لكريمٌ، وإِنَّك إِليَّ لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.
وكتب عمر إِلى الأمصار: إِنِّي لم أعزل خالداً عن سخطةٍ، ولا خيانةٍ، ولكنَّ النَّاس فُتنوا به، فخفت أن يوكلوا إِليه، ويبتلوا به، فأحببت أن يعلموا: أنَّ الله هو الصَّانع، وألا يكونوا بعرض فتنةٍ.
لما علم خالد بعزله ودَّع أهل الشَّام، فكان أقصى ما سمحت به نفسه من إِظهار أسفه على هذا العزل الَّذي فرَّق بين القائد وجنوده أن قال للنَّاس: إِن أمير المؤمنين استعملني على الشَّام حتَّى إِذا كانت بثينةً، وعسلاً؛ عزلني. فقام إِليه رجلٌ فقام: اصبر أيها الأمير! فإِنَّها الفتنة، فقال خالد: أما وابن الخطَّاب حيٌّ فلا، وتدل تلك المقولة على أن خالدًا في قمة حنقه لعزل عمر له، كان يظن في عمر الخيرَ، ويراه صمام أمان الفتنة في الأمة، وهذا إنصافٌ فريد في ساعة الخصومة.
قال خالدٌ لعمر: لقد شكوتُك إِلى المسلمين، وبالله إِنَّك في أمري غير مُجملٍ يا عمر!.
فقال عمر لخالد: يا خالد والله! إنك عليَّ لكريم وإنك إليَّ لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.
زار أبو الدرداء خالد بن الوليد يوما، فقال خالد لأبي الدرداء رضي الله عنهما مادحا لعمر بن الخطاب: «نِعْم العون هو (أي عمر) على الإسلام، والله يا أبا الدرداء! لئن مات عمر لترينَّ أموراً تنكرها…»، إلى أن قال خالد: «كنت وَجَدتُ عليه في نفسي أموراً لَـمَّا تدبرتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضر، عرفتُ أن عمـر كان يريد الله بكـل ما فعل»،
إلى أن قال: «فرأيته فعل ذلك بغيـري من أهل السابقة ومَن شهد بدراً، وكان يُغلظُ عليَّ، وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته عليَّ، وكنت أُدِل عليه بقرابة، فرأيته لا يبالي قريباً، ولا لوم لائم في غير الله، فذلك الذي أَذهبَ ما كنتُ أجد عليه». وقد توَّج خالد رضي الله عنه هذه العلاقة والمحبة والمودة مع من عزله بقوله: «وقد جعلت وصيتي وتَرِكَتي وإنفاذَ عهدي إلى عمر بن الخطاب».
ولما حضرته الوفاة، وأدرك ذلك بكى، وقال: (ما من عملٍ أرجى عندي بعد لا إِله إِلا الله من ليلةٍ شديدة الجليد في سرِيَّةٍ من المهاجرين، بتُّها وأنا متترسٌ والسَّماء تنهلُّ عليَّ، وأنا أنتظر الصُّبح حتَّى أغير على الكفَّار، فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا، وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبرٍ إِلا وفيه ضربةٌ بسيفٍ، أو رميةٌ بسهمٍ، أو طعنةٌ برمحٍ، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء!
لقد طلبت القتل في مظانِّه، فلم يُقَدَّرْ لي إِلا أن أموت على فراشي)، وأوصى خالدٌ أن يقوم عمر على وصيَّته، وقد جاء فيها: وقد جعلتُ وصيَّتي، وتركتي، وإِنفاذ عهدي إِلى عمر بن الخطَّاب، فبكى عمر ـ رضي الله عنه.
وبالرغم من قول عمر رضي الله عنه وفعله المخالف لرأي أبي بكر رضي الله عنه إلا أن عمر قال: «يرحم الله أبا بكر، كان أعلم بالرجال مني، والله إني لم أعزله عن ريبة، ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه»، وكما أن هذا القول يعكس أدب الصحابة واحترامهم الرأي المخالف في الاختلاف فإنه يكشف عن التكامل فيما بينهم.
لما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه موت خالد بن الوليد رضي الله عنه استرجع مراراً ونكَّس وأكثر الترحم عليه، حزن عليه الفاروق حزناً شديداً، وبكته بنات عمِّه، فقيل لعمر أن ينهاهنَّ، فقال: (دعهنَّ يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقعٌ، أو لقلقةٌ، على مثل أبي سليمان تبكي البواكي)، وقال عنه: (قد ثَلَمَ في الإِسلام ثلمةً لا ترتق، وليته بقي ما بقي في الحمى حجر، كان والله سداداً لنحور العدوِّ، ميمون النَّقيبة).
وعندما دخل على الفاروق هشام بن البختري في ناسٍ من بني مخزوم، وكان هشام شاعراً، فقال له عمر: أنشدني ما قلت في خالد، فلمَّا أنشده؛ قال له: قصَّرت في الثَّناء على أبي سليمان رحمه الله ـ إِن كان ليُحبُّ أن يذلَّ الشِّرك وأهلُه، وإِن كان الشَّامت به لمعترضاً لمقت الله، ثمَّ تمثَّل بقول الشَّاعر:
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلافَ الَّذِي مَضَى تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأنْ قَدِفَمَا
عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بِنَافِعِي وَلا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ بَعْدِي بِمُخْلِدِي
ثمَّ قال: رحم الله أبا سليمان! ما عند الله خيرٌ له ممَّا كان فيه، ولقد مات فقيداً، وعاش حميداً، ولقد رأيت الدَّهر ليس بقائلٍ.
هذا وقد توفي ودفن بحمص ببلاد الشَّام عام 21 هـ، رحمه الله رحمةً واسعةً، وأعلى ذكره في المصلحين، توفي خالد بن الوليد وهو راضٍ عن الفاروق عمر، وقد جزع عمر رضي الله عنه جزعاً كبيراً فأثنى عليه ورثاه بما هو أهله، وإن المشاهد التي ذكرناها لا تحمل في طياتها حقد ولا ضغينة كما أشاع البعض وروج له، بل ساد بينهما أدب الخلاف والخصومة، وذلك بناء على اجتهاد خاص لكل منهما في سبل وطرق طاعة الله عز وجل وخدمة أمته، وأحاط كل ذلك الحب في الله والأخوة في الإسلام.
إقرا أيضاً: عمر بن الخطاب وإدارة الأزمات عام الرمادة
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
سيرة خالد بن الوليد ومعركة القادسية وجميع معارك المسلمين مع الروم
أم عمر بن الخطاب تكون حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم خالد بن الوليد بن المغيرة
هذا محض افتراء القصد منه تشويه سيرة رجلين من أعطم رجال التاريخ الإسلامي، ولما قدم خالد إلى المدينة لقي أمير المؤمنين، فتعانقا عناق الأحبة وكانا في شوق كبير، ثم قال عمر متمثلاً:
صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعَ كُصُنْعِكَ صَانِعٌ وَمَا يَصْنَعُ الأقوامُ فَالله يَصْنَعُ
-استرجع مراراً ونكَّس وأكثر الترحم عليه.
-وبكته بنات عمِّه، فقيل لعمر أن ينهاهنَّ، فقال: (دعهنَّ يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقعٌ، أو لقلقةٌ، على مثل أبي سليمان تبكي البواكي)، وقال عنه: (قد ثَلَمَ في الإِسلام ثلمةً لا ترتق، وليته بقي ما بقي في الحمى حجر، كان والله سداداً لنحور العدوِّ، ميمون النَّقيبة).
-ثمَّ قال: رحم الله أبا سليمان! ما عند الله خيرٌ له ممَّا كان فيه، ولقد مات فقيداً، وعاش حميداً، ولقد رأيت الدَّهر ليس بقائلٍ.
لما حضرة الوفاة خالد بن الوليد، وأدرك ذلك بكى، وقال: (ما من عملٍ أرجى عندي بعد لا إِله إِلا الله من ليلةٍ شديدة الجليد في سرِيَّةٍ من المهاجرين، بتُّها وأنا متترسٌ والسَّماء تنهلُّ عليَّ، وأنا أنتظر الصُّبح حتَّى أغير على الكفَّار، فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا، وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبرٍ إِلا وفيه ضربةٌ بسيفٍ، أو رميةٌ بسهمٍ، أو طعنةٌ برمحٍ، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء!
عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد مرتين، وفي المرتين كانت بسبب رؤية ومنهج الخليفة والحاكم في ادارة شؤون الدولة.
لما علم خالد بعزله، قال خالد بن الوليد: إِن أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إِذا كانت بثينة، وعسلا؛ عزلني. فقام إِليه رجل فقام: اصبر أيها الأمير! فإِنها الفتنة، فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، وتدل تلك المقولة على أن خالدا في قمة حنقه لعزل عمر له، كان يظن في عمر الخير، ويراه صمام أمان الفتنة في الأمة، وهذا إنصاف فريد في ساعة الخصومة.