النهضة والبناء الحضاري
نجاح الأمم وبناء الحضارات لا يكون إلا من خلال النهضة، ولن نسود العالم ما لم نغيّر ونبدل نحو الأفضل، وهذا التغيير يحتاج إلى قادة، يقول محمد الغزالي: (فالأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الرجال الموهوبين)
اقرأ المزيديتفرغ المسلمون في شهر رمضان للقيام بالعبادات والإكثار من قراءة القرآن وفعل أعمال الخيرات بهدف زيادة التقوى والإيمان في النفس ولكسب مرضاة الله تعالى، لكن على المسلم المداومة على فعل هذه الأعمال خارج الشهر الفضيل ليكون للمسلم منهج حياة يعيش عليه طوال فترة حياته.
في هذا المقال سنتعرف على طرق عدة تساعدنا على المواظبة والاستمرارية على روحانيات الشهر الكريم بعد انتهاءه.
الالتزام بأداء العبادات والتعود عليها من أبرز السبل للمواظبة والاستمرار فيها بعد شهر رمضان لكي نصبح أفضل مما كنا عليه قبل بداية الشهر.
والمطلوب موازنة المعادلة في رمضان وبعده بالشكل التالي:
إذا كنا سنرتقي إلى مستوى أعلى من العبادات في شهر رمضان؛ فإنه ليس من المطلوب أن نحافظ على نفس المستوى الذي وصلنا إليه بعد رمضان، فهذا غير ممكن في الغالب، ولكن لو استطعنا أن نتقدم في إيماننا وعبادتنا خطوة، فبعد رمضان نصبح أفضل وهذه هي الفكرة من أن نصبح أفضل بعد شهر رمضان.
اقرأ أكثر: لصلاح الدنيا والآخرة.. كيف تعد خطتك لرمضان؟
صلاة الجماعة في المساجد من العبادات العظيمة في الإسلام، يحافظ عليها المسلم طوال شهر رمضان والكثير من الصالحين يواظبون عليها بعد إنتهاء الشهر الكريم، لما فيها من مضاعفة في الثواب وزيادة في الارتباط ببيوت الله.
وقد أخبرنا النبي محمد ﷺ عن فضل صلاة الجماعة، حينما قال: صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ. [صحيح مسلم – 650].
الدعاء إلى الله والذكر عبادات لها أثر كبير على نفسية المسلم تشعره بأن الخالق بجانبه دوماً وأن أمانيه المستحيلة ستتحقق لا محالة مع كثرة الدعاء، وفي شهر رمضان يكثر المسلمون من الذكر والدعاء في سبيل تحقيق أمانيهم.
لكن على المسلم المواظبة بالاستغفار والذكر في أيام رمضان وخارجها لما يجلبه من ارتياح إلى نفس المؤمن وطرذٌ للهموم والأحزان.
على المسلم تخصيص ورد يومي له لقراءة القرآن بشكل يومي وأن لا يقتصر قراءة القرآن خلال رمضان فقط، لما فيه من الأجر العظيم وسكينة للروح والنفس، ولكي لا يكون من الهاجرين لكتابه الكريم الذي حثنا الله ورسوله على قراءته دوماً.
قال تعالى عن أهمية قراءة القرآن الكريم: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا [سورة الإسراء:82].
جزى الله المسلم الذي اتخذ من الصيام عادة له خارج شهر رمضان بصيام النوافل تطوعاً دون إلزام من الله تعالى، بكثير من الأجر والثواب وأخبرنا النبي أن الصائمون يدخلون من باب الريان إلى الجنة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. [ الألباني – 96] .
وفي هذا الحديث وعدنا الرسول الكريم بدخول الصائمين الجنة من باب الريان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة :يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ” قال أبو بكر، رضي الله عنه :بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: ” نعم وأرجو أن تكون منهم [ متفق عليه – 1216].
الالتزام بالعادات الايجابية تعطي الإنسان شعور بالإصرار وقوة الإرادة لتحسين حياته للأفضل ويولد لديه الكثير من المهارات الحياتية، وقد حثنا الإسلام على بذل الإنسان قصارى جهده في استبدال العادات السيئة بعادات إيجابية مفيدة، وهنا سنذكر بعض من العادات التي حثنا الإسلام على فعلها:
حثنا الإسلام على صلة الرحم الدائمة لأقاربنا، ويعد شهر رمضان فرصة عظيمة لتقوية العلاقات الأسرية والاجتماعية إلا أنه يتوجب علينا المواظبة على هذه الصلة خلال أشهر العام كافة وتكون بـ:
شجع الإسلام الفرد المسلم على فعل الكثير من أعمال الخير التي تزرع الرحمة والمودة في النفوس، من هذه الأعمال إطعام المساكين والمحتاجين، وقد ذكر الله فضل إطعام المسكين في هذه الآيات من سورة الإنسان:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا .[سورة الإنسان: 8-11].
الصدقة لها أثر كبير في زيادة التكافل الاجتماعي بين الأفراد، ويكثر المسلمون دفعها خلال شهر رمضان، لكن لا ينبغي على المسلم التوقف عن دفع الصدقات بعد انتهاء رمضان لأن الحاجة مستمرة ودائمة، وبإمكاننا جميعاً أن نخصص جزءاَ بسيطاً من الدخل الشهري لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
يجهز الله نفسية المسلم لفعل الخيرات والسعي للمشاركة في الأعمال الخيرية في شهر رمضان، لما تعززه من شعور لدى المسلم بإمكانية تحويل أحوال الناس إلى الأفضل، لكن على المسلم المداومة عليها بعد شهر رمضان لنستمر في زرع معاني التعاون في أنفسنا ولنحمد الله على نعمٍ نمتلكها وغيرنا فاقدٌ لها.
لا يمكن للمسلم معرفة وإتقان تعاليم الدين الصحيحة إلا بحضور حلقات ومجالس العلم، لما فيها من تشجيع ومنافسة وشحذٌ للهمم.
كان الكثير من أهل السلف يخصصون شهر رمضان لقراءة القرآن وتدبر معانيه؛ فكانوا ينصرفون عنها في هذا الشهر والتفرغ للعبادة والتقرب لله بقراءة القرآن، وبعد إنتهاء الشهر يعاودون إلى هذه المجالس لينهلوا من علمها ما استطاعوا في سبيل الدعوة لله ونشر للدين الإسلامي.
لهذا يجب أن نأخذ من أهل السلف قدوة لنا وأن لا نسمح لمشاعر الكسل والخمول بعد شهر رمضان أن تسيطر علينا، بل الاستمرار في طلب المزيد من علوم الدين والفقه في سبيل التقرب لله أكثر.
الصحبة الصالحة مفتاح للخير وسبيل للنجاح في الحياة والتشجيع على فعل كل ما يرضي الله تعالى والابتعاد عن المحرمات والتنافس في فعل الطاعات، وقد أمرنا الإسلام بإيجاد الرفقة الصالحة لما فيها من صلاح وتهذيب للنفس والسلوك.
قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. [سورة الكهف:28].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي”. {رواه أبو داود والترمذي – 366}.
من الأمور العظيمة في الإسلام هي الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى، والإنسان الذي يدعو للإسلام يصنع لنفسه خُطى عظيمة إلى الجنة بإذنه تعالى، ومن الجميل مشاركة تجربتنا الرمضانية مع الآخرين والتعريف بديننا وبتعاليمه خصوصاً في حال الإقامة في بلد غير مسلم حيث نعرفهم على تعاليم ديننا.
وذُكر أجر الداعي إلى الإسلام بالكثير من الأحاديث التي أخبرنا الله بها بواسطة رسولنا الكريم، منها:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ, فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. {الألباني- 209}.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه : ”فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من حمر النعم. {متفق عليه – 1379}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً”. {رواه مسلم – 174}.
يفوز المؤمن في شهر رمضان الكريم بالإكثار من ذكر الله واستغلال أوقات السحر والصباح والإفطار في الدعاء وأهم من جميع ما ذكر هو إخلاص النية لوجه الله في كافة الأعمال والعبادات.
ننتظر شهر رمضان بشوق لكن حين يأتي يذهب بسرعة دون أن نشعر، لذا يجب على المؤمن يمكن استغلال شهر رمضان للتقرب إلى الله، بتخصيص الوقت لقراءة القرآن والدعاء وصلة الأرحام والتطوع والمشاركة في المبادرات الرمضانية.
من الأمور التي ينبغي أن نفعلها في شهر رمضان: إلزام النفس بالإكثار من العبادات وقراءة القرآن والذكر والاستغفار ودفع الصدقات ومساعدة الفقراء والمحتاجين وصلة الأرحام.
نحافظ على الطاعات بعد شهر رمضان، من خلال إحكام النفس من الانجرار وراء شهوات الدنيا وتجنب فعل المعاصي مع الإكثار من الدعاء لله تعالى للثبات على الطاعات بعد شهر رمضان.
راقب قلبك بعد رمضان، لربما يشعر البعض بفتور وملل فتجده يبتعد شيئاً فشيئاً عن العبادات التي التزم فيها خلال الشهر الكريم ويسيطر عليه شعور التكاسل عن المواظبة فيها إلا أن على الإنسان أن يستذكر مشقة الصيام التي خاضها بإرادة المسلم الذي يريد التقرب لله، وبذلك يستطيع تقوية الإرادة لديه مجدداً والاستمرار على الطاعات التي قام بها خلال شهر رمضان.