المتنبي وقوة الكلمة
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - قصة وفكرة - جديدنا

من هو المتنبي؟

كان من أعظم شعراء العرب، والأكثر تمكناً من الّلغة العربية بقواعدها ومفرداتها وأصول البلاغة فيها، كما أنَّه يتمتع بمكانة مرموقة في تاريخِ الأدب العربي، ولم يسبق لغيره من الشعراء أن احتلّها، وما زال شعره حتّى اليوم مصدر إلهام شعراء وأدباء كُثر، شاعر الحكمة والمدحِ والفخر، إنه الشاعر العظيم “المتنبي”.

اسم المتنبي

أبو الطيب أحمد بن الحسين، أكبر شعراء اللغة العربية، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، امبراطور الشعراء.

متى واين ولد المتنبي؟

ولد المتنبي سنة (303) هـ، في مدينة الكوفة.

حياة المتنبي

فقر حال أسرته جعله يتكسب من مدح الملوك والخلفاء والأمراء، وكان يحاول إثبات ذاته أنه ليس من الطبقة العادية، ونلمس هذه النرجسية في كل حياته.

بدأ تعلم اللغة العربية منذ صغره، ونظم الشعر وهو ابن ٩ سنوات، وكان في شدة الذكاء، ارتحل إلى البادية وعاش فيها؛ حتى يأخذ اللغة العربية من منابعها، لأن فصاحة أهل البادية لم تتأثر بالمدن، وكانت أخلاقه تترفع عن الفسوق واللهو والمجون.

لماذا سمي المتنبي بهذا الاسم

قيل أنه ادّعى النبوة، واتبعه بعض البدو، فخرج إليه أمير حمص وأسره عام (321هـ)، فلما طال مقامه كتب قصيدة يستعطف بها الأمير الذي سجنه، فأخرجه من السجن، لكن هذا اللقب التصق به، طبعاً هذه التهمة ليست ثابتة عنه.

أما الذي ثبت عنه طموحه الذي ليس له حدود، هذا الطموح الذي أدى به إلى شقائه، إذا كان يدفعه هذا الطموح إلى الاحتكاك بالملوك والأمراء.

ديوان المتنبي

يحتوي على أكثر من (5,000) بيت، تشكل في مجموعها أكثر من  (٣٠٠) قصيدة، وهو الذي رتّب ديوانه بنفسه، ولم يحظ ديوان شاعر من الشعراء بما حظيه ديوان أبو الطيب؛ فله أكثر من (٤٠) شرح.

المتنبي والسلاطين والحكام

كان طموح المتنبي لا يقبل الدون، ولأنه لا يجارى في شعره؛ فكان يقصد مجالس الحكام والأمراء والسلاطين، رغبة بالمناصب والشهرة الكبيرة، يروى أنه دخل على الوزير ابن الفرات، وعنده مجموعة من العلماء والوزراء، من بينهم الشاعر والأديب “أبو علي الآمدي”، فاحتفى الوزير بالمتنبي لشهرته، فقال له:

يا أبا الطيب هذا أبو علي الآمدي، فقال المتنبي: لا أعرفه، فانزعج الآمدي من جواب المتنبي، ثم أنشد المتنبي:

إنما التهنآت للأكفاء               ولمن يدّني من البعداء

فقال الآمدي اللغوي: كيف جمعت كلمة تهنئة وهي مصدر؟ والمصادر لا تجمع، فقال المتنبي لمن بجانبه: أهذا مسلم؟ فقال: سبحان الله هذا الآمدي، فقال: أيصلي هذا؟ ألا يقرأ في القرآن: التحيات لله؟ والتحيات جمع تحية، والتهنئات جمع تهنئة، فصمت الجميع.

هكذا كانت قدرته اللغوية.

المتنبي وسيف الدولة

لما زادت شهرته؛ أصبح الحكام يتمنون لو يكون معهم، فاستدعاه سيف الدولة الحمداني في دمشق، فلما توجه الى دمشق وكان سيف الدولة يقاتل الروم وقد استولى على أكثر الشام وحررها من أيديهم،

فكان يحتاج إلى شاعر بحجم المتنبي؛ يكون وسيلته في الإعلام، يصور البطولات، حتى يبعث الحماس في الأمة لتنهض من جديد، فوجد بغيته في صاحبه المتنبي، وفعلاً كتب المتنبي أجمل أشعاره في ديوان سماه “سيفيات المتنبي“.

كانت الفترة التي مكثها المتنبي إلى جانب سيف الدولة أكثر فترات حياته عطاءً، فقد نظم في سيف الدولة قصائد كثيرة، كانت من أجود وأروع شعره، بل تستحق أن يقال عنها إنّها من أجمل ما نظم العرب، وهذه ومضة من بعض قصائده في سيف الدولة بعد إحدى معاركه:

لهذا اليوم بعد غدٍ أريج                 ونارٌ في العدو لها أجيج

عرفتك والصفوف معبآات             وأنت بغير سيفك لا تعيج

ووجه البحر يعرف من بعيد           إذا يزجو فكيف إذا يموج

وفينا السيف حملته صدوق         إذا لاقى وغارته لجوجو

نعوذه من الأعيان باسا               ويكثر بالدعاء له الضجيج

والحقيقة أنه لولا أشعار المتنبي؛ لما عرف سيف الدولة لا في ذاك الزمان ولا الآن، وبالمقابل فإنّ سيف الدولة لم يبخل على شاعره، فكان يعطيه، لكن الحمداني كان يحكم مملكة صغيرة فكانت أعطياته قليلة.

المتنبي وكافور الاخشيدي

لم يجد المتنبي ما يحقق طموحه عند سيف الدولة، فاضطر إلى مغادرة سيف الدولة بحثاً عن مكانٍ يليق بمقامه، بدأ يفكر: أين أذهب؟

فنظر إلى الدول القوية، فوجد ضالته  في مصر، ففيها الدولة الإخشيدية التي يحكمها كافور الإخشيدي، فقدم إلى كافور وجالسه أربع سنوات، كان كافور داهية، يعرف مقصد المتنبي، فلم يقم بطرد المتنبي لأنه يخاف أن  يشتمه، والشاعر في ذلك الوقت كان يساوي مجموعة من الفضائيات والجرائد، يتناقل الناس شعره كما يتناقل الاعلام الأخبار اليوم. 

فكان الإخشيدي يخاف أن يصد المتنبي فيقوم بهجائه، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يعطيه مناصب عالية لأنه لا يستحق بنظره، فجعله يتأرجح بين اليأس والأمل، وخلال إقامته في مصر الف ديوان شعر سماه “الكافوريات”.

هجاء المتنبي لكافور

لما يئس المتنبي من كافور الإخشيدي نظم له قصيدة يهجوه فيها، والناس لا تعرف عن كافور إلا القصيدة التي هجاه فيها، وللعلم فإن كافور كان سياسياً محنكاً حليماً كريماً، وهنا لفتة أن المتنبي لعب دور مجموعة من القنوات الاعلامية التي ربما تنشر المعلومات المزيفة البعيدة عن الحقائق، أما الأبيات التي هجاه فيها فهي:

العبد ليس بصالح حرا لأخ                 ولو أنه في ثياب الحر مولود

لا تشتر العبد إلا والعصى معه           إن العبيد لأنجاس مناكيد

ما كنت أحسبني أبقى إلى زمن       يسير فيه كلب وهو محمود

قوة الكلمة

لاشك أن المتنبي قد خالف ضميره عندما ذم كافور بما لا يستحق، فقد وصفه بعكس ما كان يمدحه بمدحه الشديد، وعندما انتهت المصالح انتهت المبادئ، وهذه آفة الإعلام في كل زمان ومكان:

(تطبّل للحاكم الفرد المستبد حتى لو كمم الأفواه، وأغلق الفضائيات المعارضة وقتل الناس، ثم إذا عمد الحاكم إلى إغلاق الصحيفة، يصبح الحاكم بنظرها مكمماً للأفواه، معادياً للحريات).

هذا التناقض كله نتيجة تقديم المصالح على المبادئ، وقصة الصراع بين المصالح والمبادئ تتكرر في كل زمان.

موت المتنبي

في طريق عودته إلى بغداد، اعترض طريقه “فاتك الأسدي”، وهو خال ضبّة الأسدي الذي هجاه المتنبّي في إحدى قصائده، ومعه جماعةً من أصحابه في منطقةٍ واقعة غرب بغداد تُسمى النعمانية، ولم يكن مع المتنبي عدد مكافئ لرجال فاتك، فهمّ المتنبي حينها بالهروب، إلّا أن غلامه استوقفه قائلاً: ألست القائل: الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعرفني؟

فخجل المتنبي ورجع وقاتل حتى قُتل، وقُتل مُحسد ابن المتنبي، فغابت شمس المتنبي وهو في قمة عطائه، فقد مات في الخمسين من عمره.

لم يحظَ شاعرٌ من شعراء  العربيّة بمثل ما حظي به أبو الطيّب المتنبّي من مكانةٍ عالية، فقد كان أعجوبةً أعجزت الشعراء من بعده؛ ومازال شعره إلى الآن يُقرأ كمصدر وحي للكثير من الأدباء والشُّعراء،

كما تُرى فيه مميزات القوّة والشاعرية القائمتين على التجربة الصادقة والحس، وقد أحسن المتنبّي في صياغة أبياته صياغةً تأسرُ الألباب وتشغل القلوب، حيثُ كان موفِّقاً بين الشعر والحكمة، وقد أخرجَ الشّعر عن قيوده وحدوده.

وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.

كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات

الوعي ومفهومه وفوائده و تعلم فنون الإقناع ومهاراته و جمال اللغة العربية

الأسئلة الشائعة

متى وأين ولد المتنبي؟

ولد سنة (303) هـ، في الكوفة

لماذا سمي المتنبي بهذا الاسم؟

قيل أنه ادّعى النبوة، واتبعه بعض البدو، طبعاً هذه التهمة ليست ثابتة عنه، أما الذي ثبت عنه طموحه الذي ليس له حدود.

ما علاقة المتنبي بسيف الدولة؟

لما زادت شهرته، أصبح الحكام يتمنون لو يكون معهم، فاستدعاه سيف الدولة الحمداني في دمشق، لأنه كان يحتاج إلى شاعر بحجم المتنبي، يكون وسيلته في الاعلام، يصور البطولات، حتى يبعث الحماس في الأمة لتنهض من جديد، فوجد بغيته في صاحبه المتنبي، وفعلاً كتب المتنبي أجمل أشعاره في ديوان سماه "سيفيات المتنبي".

ما العلاقة بين المتنبي وكافور الاخشيدي؟

قدم إلى كافور وجالسه أربع سنوات، والشاعر في ذلك الوقت كان يساوي مجموعة من الفضائيات والجرائد، يتناقل الناس شعره كما يتناقل الاعلام الأخبار اليوم ، فكان الاخشيدي يخاف أن يصد المتنبي فيقوم بهجائه، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يعطيه مناصب عالية لأنه لا يستحق بنظره، فجعله يتأرجح بين اليأس والامل، وخلال اقامته في مصر الف ديوان شعر سماه "الكافوريات".

هجاء المتنبي لكافور؟

لما يئس المتنبي من كافور نظم له قصيدة يهجوه فيه، والناس لا تعرف عن كافور إلا القصيدة التي هجاه فيها، وللعلم فإن كافور كان سياسياً محنكاً حليماً كريما، أما الأبيات التي هجاه فيها فهي:
العبد ليس بصالح حرا لأخ ولو أنه في ثياب الحر مولود
لا تشتر العبد إلا والعصى معه إن العبيد لأنجاس مناكيد
ما كنت أحسبني أبقى إلى زمن يسير فيه كلب وهو محمود

موت المتنبي؟

في طريق عودته إلى بغداد، اعترض طريقه "فاتك الأسدي"، وهو خال ضبّة الأسدي الذي هجاه المتنبّي في إحدى قصائده، ومعه جماعةً من أصحابه في منطقةٍ واقعة غرب بغداد تُسمى النعمانية، ولم يكن مع المتنبي عدداً مكافئاً لرجال فاتك، وهمّ المتنبي حينها بالهروب، إلّا أن غلامه استوقفه قائلاً: ألست القائل: الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعرفني؟ فخجل المتنبي ورجع وقاتل حتى قُتل، وقُتل مُحسد ابن المتنبي، غابت شمس المتنبي وهو في قمة عطائه، فقد مات في الخمسين من عمره.

اترك تعليقاً