استغلال عشر ذي الحجة وتحصيل الثواب الأعظم
قال الله تعالى ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ…
اقرأ المزيدجاء الإسلام بالأمر بالتعاون على البر والخير، والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، فما أحوجنا في هذا الزمان أنْ نحيي هذه الشعيرة العظيمة، التي لم تغب عنْ الأمة العربية في جاهليتها، وهذا حلف الفضول نموذج لها.
حلف الفضول أحد أحلاف الجاهلية، وقع في شهر ذي القعدة بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وذلك أن رجلًا من زبيد (بلد باليمن) تعرّض للظلم في الحرم من أحد أشراف قريش العاص بن وائل، فاستغاث بأهل المروءة، فقام الزبير بن عبد المطلب فقال:
(ما لهذا مترك)، فاجتمعت بطون من قريش في دار عبد الله بن جدعان وتعاهدوا على أنْ: (لا يظلم أحد في مكة إلا ردّوا ظلامته).
أتى رجل من زبيد بتجارة، فاشتراها منه العاص بن وائل -وكان ذا قدر بمكة وشرف- فحبس عنه حقه، فاستعان عليه الزبيدي بالأحلاف وهم: (عبد الدار، ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدي)، فأبوا أنْ يعينوه على العاص بن وائل وانتهروه، فصعد الأسدي جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، ونادى بأعلى صوته:
يا للرجال لمظلوم بضاعته ببطن مكّة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته يا للرجال وبين الحجر والحجر
إنّ الحرام لمن تمت كرامته ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
قام في الدعوة للحلف الزبير بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، فاجتمعت بطون من قريش وكنانة في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في ذي القعدة، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله:
ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه، وقال الزبير بن عبد المطلب:
حلفت لنقعدن حلفًا عليهم وإنْ كنا جميعًا أهل دار
نسمّيه الفضول إذا عقدنا يُعزّ به الغريب لدى الجوار
وقال أيضًا:
إنَّ الفضول تحالفوا، وتعاقدوا ألّا يُقيم ببطنِ مكة ظالم
أمرٌ عليه تعاهدوا، وتواثقوا فالجارُ والمعترّ فيهم سالم
عقدت حلف الفضول 5 أفخاذ من قريش، وواحدة من كنانة، وهم:
عاش رسول الله ﷺ في مكة المكرمة طفولته وشبابه، وله فيها ذكريات عزيزة، وحِلْف الفضول وما يتضمنه من مكارم الشيم وعظيم الأخلاق من هذه الذكريات التي ملكت عليه قلبه، حتى أنه قال بعد أن أكرمه الله بالنبوة والرسالة: «لقد شهدت مع عمومتي حلفًا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أنّ لي به حُمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت».
في السنة العشرين من عمره ﷺ وقعت في سوق عُكاظ: بين قريش ومعهم كنانة، وبين قَيْس عَيْلان، تعرف بحرب الفِجَار، وسببها: أن أحد بني كنانة، واسمه البَرَّاض، اغتال ثلاثة رجال من قيس عيلان، ووصل الخبر إلى عكاظ فثار الطرفان، وكان قائد قريش وكنانة كلها حرب بن أمية؛ وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة، حتى إذا كان في وسط النهار كادت الدائرة تدور على قيس.
ثم تداعى بعض قريش إلى الصلح: على أن يحصوا قتلى الفريقين، فمن وجد قتلاه أكثر أخذ دية الزائد، فاصطلحوا على ذلك، ووضعوا الحرب، وهدموا ما كان بينهم من العداوة والشر.
وسميت بحرب الفجار؛ لانتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله ﷺ، وكان ينبل على عمومته؛ أي يجهز لهم النبل للرمي.
أجمع بنو عبد مناف على أن يأخذوا ما جعله قصي بن كلاب لبنى عبد الدار بن قصي، من: (الحجابة، واللواء، والسقاية، والرفادة)، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم.
فأخرجت بعض نسوة بني عبد مناف جفنة -قدر ووعاء- مملوءة طيبا لهم، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها، فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم، فسموا: “المطيبين”.
وفي المقابل جمعت لهم بنو عبد الدار ومن حالفها، وعبأت كل قبيلة، فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم، وعبيت بنو أسد لبني عبد الدار، وعبيت زهرة لبني جمح، وعبيت بنو تيم لبني مخزوم، وعبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدى بن كعب.
وجمعوا للحرب ثم تداعوا إلى الصلح، على أن يعطوا بني عبد مناف (السقاية والرفادة)، وأن تكون (الحجابة واللواء والندوة) لبني عبد الدار كما كانت، فرضي كل واحد من الفريقين بذلك وتوقّفت الحرب، وثبت كل قوم مع من حالفوا حتى ظهر الإسلام.
كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان منازعة في مال، والوليد يومئذ والي المدينة من قبل الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، فتحامل على الحسين في حقه.
فقال له الحسين: (أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله ثم لأدعونّ بحلف الفضول).
فقال عبد الله بن الزبير الأسدي القرشي: (وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعًا)، فبلغ الأمور المسور بن مخرمة الزهري القرشي، فقال مثل ذلك، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان التيمي القرشي، فقال مثل ذلك.
فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة؛ أنصف الحسين من حقه حتى رضي.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
السيرة النبوية الشريفة و الرسول الإنسان
• لأنّهم تحالفوا على أن يردوا الفضول على أهله، وقالوا بعد إبرامه: هذا فضول من الحلف.
• سمته قريش فقالوا: (لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر).
• لأنَّ ثلاثةً من قبيلةِ جُرْهُمَ هُم: (الفضلُ بنُ فَضالةَ، والفضلُ بنُ وَداعةَ، والفضلُ بنُ الحارثِ)، قد عقدوا قديمًا نظيرًا لهذه المُعاهدةِ، فلمَّا أَشبهَ فعلُ القُريشيِّين فعلَ هؤلاء الجُرهُميِّين الأُوَلِ المُسَمَّوْنَ جميعًا بالفضلِ؛ سُمِّيَ الحِلفُ: حِلفُ الفُضولِ.
• أنْ يكونوا يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم.
• ألا يوجدوا مظلومًا بمكة من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد إليه مظلمته.
• المواساة في المعاش.
بطون قريش التي شاركت في حلف الفضول 5 ومن كنانة 1، وهم:
بنو هاشم بن عبد مناف.
بنو المطلب بن عبد مناف.
بنو أسد بن عبد العزى.
بنو زهرة بن كلاب.
بنو تيم بن مرة.
بني الهون عضل والقارة من كنانة.
شارك النبي حلف الفضول، فقال «لقد شهدت مع عمومتي حلفًا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أنّ لي به حُمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت»
حلف الفضول أحد أحلاف الجاهلية، وقع في شهر ذي القعدة بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وذلك أن رجلًا من زبيد (بلد باليمن) تعرّض للظلم في الحرم من أحد أشراف قريش العاص بن وائل، فاستغاث بأهل المروءة، فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: (ما لهذا مترك)، فاجتمعت بطون من قريش في دار عبد الله بن جدعان وتعاهدوا على أنْ: (لا يظلم أحد في مكة إلا ردّوا ظلامته).