كيف تكسب ولاء الموظف؟ خماسية الولاء للدكتور طارق السويدان
النظام الوظيفي القديم: (شركة واحدة ومهنة واحدة مدى الحياة)، وكان الشعار (اعمل بجد لأن الحياة…
اقرأ المزيدالمحتوى
كل البشر لديها أفكار تؤمن بها، ولكن الناس تتفاوت في أمرين: الأول هو نوع ومستوى هذه الأفكار، والثاني هو مدى عمق الإيمان بالفكرة وعمق الولاء لها، ثم الناس أصناف: فمنهم من يؤمن بفكر باطل ثم يتخلى عنه بسهولة، ومنهم من يؤمن بأفكار باطلة يعيشون لأجلها ويموتون لأجلها، ونوع ثالث يؤمن بأفكار صحيحة ويدعو الناس لها لكنه يتخلى عنها عند أول اختبار، والنوع الرابع يؤمن بفكرة صحيحة ويحث الناس عليها، ويعمل على نشرها وتطبيقها، ويتحمل من أجلها الأذى، ويقدم لها التضحيات، فيظهر بذلك الولاء للفكرة، ومن هؤلاء الزعيم البوسني الراحل “علي عزت بيجوفيتش”.
ولد بيجوفيتش سنة (1925م) في البوسنة، وأسرته من الأسر العريقة الجذور في الإسلام، وقد بقيت متمسكة بدينها رغم كل الضغوط، وهم من “البوشناق”، وهؤلاء البوشناق دخلوا الإسلام بعد الفتح العثماني للبوسنة، وبقوا محافظين على هويتهم الإسلامية، فاسم عائلته يمتد إلى أيام الوجود التركي في البوسنة، فالمقطع “بيج” في اسم عائلته هو النطق المحلي للقب “بك” العثماني، ولقبه “عزت بيجوفيتش” يعني ابن عزت بك.
تعلم في مدارس سراييفو حصل على الشهادة العليا في القانون، ودكتوراه في الاقتصاد، وعمل مستشارًا قانونيًا خلال (25) عامًا، واعتزل بعدها وتفرغ للبحث والكتابة.
يقرأ ويتحدث ويكتب باللغة الألمانية والفرنسية والإنكليزية، إضافة إلى لغته الأم، وله إلمام كبير باللغة العربية، فقد حرص هو وأسرته على تعلم اللغة العربية رغم أنها محاربة، وهذا دليل ولائه للهوية الإسلامية، إذ يعتبر اللغة العربية وسيلة للاتصال بالقرآن الكريم.
مكنته اللغة العربية من الاطلاع على تجارب التيارات الإسلامية والاستفادة منها، مثل تجربة الإخوان المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية في الهند وباكستان، والحركة الإسلامية في أندونيسيا، وقرأ كتب المودودي والندوي.
شخصيته: كلها جد واجتهاد وتأمل في أحوال المسلمين في بلاد البلقان.
أنشأ هذه الجمعية وعمره لم يتجاوز (16) سنة، وكانت أعمالها خيرية وثقافية، ثم تطورت فأسس جمعية الفتيات المسلمات.
كان يهتم بزملائه من أبناء البوشناق خلال دراسته في الجامعة.
سنة (1940) قامت ألمانيا باجتياح يوغسلافيا، وقام بعض أبناء البلد بتشكيل (حزب اشتاشا النازي)، لكن علي عزت بيجوفيتش انحاز إلى الجانب الآخر، لأن ولائه للفكرة يحتم عليه التصدي للخونة، فحاربوه وسحبوا ترخيص جمعيته، ومنعوه من مزاولة أي عمل، واستمر هذا الصراع حتى تحررت يوغسلافيا من النازيين.
بعد التحرر اتجهت يوغسلافيا من النازية إلى الشيوعية، التي كانت أشد اضطهادًا على المسلمين، فقاموا بإغلاق المساجد وتحويلها إلى ملاهي وحانات رقص، ومنعوا اقتناء القرآن الكريم وحبسوا كل من يقتنيه، فقتلوا وعذبوا وشردوا وصبوا جمّ غضبهم على الإسلام والمسلمين، فتصدى لهم علي عزت، فاعتقلوه مرارًا وهو لا يزال طالبًا في الجامعة، وأراد إعادة العمل لجمعية الشبان المسلمين، فقامت الحكومة الشيوعية باعتقاله سنة (1949م)، وحكم عليه بالسجن (5) سنوات مع الأعمال الشاقة، والتهمة الموجهة له: جمعية الشبان المسلمين، وفي السجن ألف كتابه “هروبي إلى الحرية“.
قام بإصدار مجلة سرية سماها (المجاهد).
كتاب يشرح فيه عن الإسلام، وأساسيات النظام الإسلامي، لقي نشره ضجة كبيرة في العالم كله، لأنه دعا فيه إلى:
فثارت ثائرة السلطة الشيوعية، لأنها رأت فيه مناهضة للشيوعية، وما ذاك إلا لأن عنوان الكتاب كان يناقض عنوان كتاب مؤسس الشيوعية “كارل ماركس” الذي عنونه بـ (البيان الشيوعي)، وكان اسم كتاب علي عزت (البيان الإسلامي).
حوكم محاكمة صورية، وحكم عليه بالإعدام سنة (1983م)، ثم خفف الحكم إلى (14سنة).
ألفه في سجنه، وكان أقرب لموسوعة علمية، هز به أركان العالم الغربي، خاطب فيه قادة الفكر الغربيين، واستعمل في صياغته العلم والفلسفة والأدب والفن، فانتشر اسمه كمناهضٍ للشيوعية، ومناضلٍ لحقوق الإنسان، ورمزٍ من رموز الولاء لفكرة الإسلام.
سنة (1990م) سقطت شيوعية الاتحاد السوفييتي، فاضطر الشيوعيون في يوغسلافيا إلى تخفيف الضغوط عن الشعوب، وسمحوا مكرهين بالتعددية السياسية، وتم إطلاق سراح علي عزت، فانتهز الفرصة وأنشأ (حزب العمل الديمقراطي)، لإتاحة الفرصة للمسلمين للتأثير في الساحة السياسية، ولتقديم مثالٍ على التعايش بين العرقيات الموجودة في يوغسلافيا، فشارك حزبه في الانتخابات وحقق المفاجأة الكبرى بفوزه بأغلبية الأصوات، وتسلم علي عزت رئاسة البوسنة منذ عام (1990م) وحتى عام (1996م).
بعد إعلان كل من سلوفينيا وكرواتيا استقلالهما عن يوغسلافيا، نُظم استفتاء على استقلال البوسنة في الأول عام 1992، شارك به 63% من ناخبي البوسنة، صوت أغلبهم لصالح الاستقلال، إلا أن صرب البوسنة لم يشاركوا في الاستفتاء.
لم تغفر يوغسلافيا للبوسنة المسلمة استقلالها عنها، ولا سعيها لإقامة دولة ذات أغلبية مسلمة في عمق الشرق الأوربي المفعم بقيم المسيحية والماركسية الدكتاتورية، فقام الصرب العنصريون، وبدأت حملة تصفية عرقية مجنونة أدت إلى مقتل مئات الآلاف من المسلمين البوسنة والبوشناق، وانتشرت المقابر الجماعية في أنحاء البلاد، واغتصب الصرب (100) ألف مسلمة في واحدة من أفظع مشاهد الإرهاب على مرأى ومسمع من أوروبا الحرة، هب المسلمون في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ضد هذا التصرف المجرم.
قام علي عزت بطرح علاجٍ تنويري لوقف سفك الدماء، وإقامة حكومة فيدرالية متناسقة، فكل بلدٍ تحكم باستقلال تام، ويتم الاتفاق على منصب وزارة الدفاع والخارجية وغيرها، وقد حظي هذا الاقتراح بدعم أوروبا، لكن الصرب رفضوا وأمعنوا في جرائمهم، وقاموا بقتل (350) ألف بوسني، فتدخلت الأمم المتحدة، ووقع الطرفان اتفاقية بموجبها أنشئ مجلس رئاسي لإدارة الحكم في البلاد، يتناوب عليه زعماء من المسلمين والكروات والصرب.
تولى بيجوفتيش أول مرحلة من التناوب الرئاسي، إذ تولى رئاسته من سنة 1996 وحتى عام 1998، وعاد مرة أخرى ليقوده من جديد لأقل من سنة 2000 .
كان سياسيًا محنكًا، ومناضلًا عنيدًا، ومفكرًا من الطراز الأول، يغوص في أعماق الفكر، وكان مثقفًا أحاط نفسه بألوان الثقافة العصرية.
توفي عام (2003م) وله من العمر (78 سنة)، وقد نعاه راديو بوسنة، ولم يتمكن مسلمو البوسنة من الحداد عليه، لأن ممثل الصرف في المجلس الرئاسي عارض ذلك لحقده على علي عزت بيجوفيتش.
نال عدة جوائز منها
يقول الدكتور طارق السويدان:
الوفاء للفكرة هو مفتاح النصر، ولو تعرض صاحبها للفناء، فالثبات على المبادئ هو الباب لتغيير التاريخ.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
مالكوم اكس والتغيير ونظام الملك وأسس الدولة الناجحة
و الدكتور عبدالرحمن السميط والدعوة بالإغاثة
ولد في البوسنة سنة (1925م).
وأسرته من الأسر العريقة الجذور في الإسلام، وقد بقيت متمسكة بدينها رغم كل الضغوط، وهم من "البوشناق"، وهؤلاء البوشناق دخلوا الإسلام بعد الفتح العثماني للبوسنة
تعلم في مدارس سراييفو حصل على الشهادة العليا في القانون، ودكتوراه في الاقتصاد، وعمل مستشارًا قانونيًا خلال (25) عامًا، واعتزل بعدها وتفرغ للبحث والكتابة.يقرأ ويتحدث ويكتب باللغة الألمانية والفرنسية والإنكليزية، وملم باللغة العربية.
قامت ألمانيا باجتياح يوغسلافيا، وقام بعض أبناء البلد بتشكيل (حزب اشتاشا النازي)، لكن علي عزت انحاز إلى الجانب الآخر، لأن ولائه للفكرة يحتم عليه التصدي للخونة، فحاربوه
الشيوعية، التي كانت أشد اضطهادًا على المسلمين، فقاموا بإغلاق المساجد وتحويلها إلى ملاهي وحانات رقص، ومنعوا اقتناء القرآن الكريم وحبسوا كل من يقتنيه، فقتلوا وعذبوا وشردوا وصبوا جم غضبهم على الإسلام والمسلمين، فتصدى لهم علي عزت، فاعتقلوه مرارًا
فثارت ثائرة السلطة الشيوعية، لأنها رأت فيه مناهضة للشيوعية، وما ذاك إلا لأن عنوان الكتاب كان يناقض عنوان كتاب مؤسس الشيوعية "كارل ماركس" الذي عنونه بـ (البيان الشيوعي)، وكان اسم كتاب علي عزت (البيان الإسلامي).حوكم محاكمة صورية، وحكم عليه بالإعدام سنة (1983م)، ثم خفف الحكم إلى (14سنة).
كتاب البيان الاسلامي كتاب الاسلام بين الشرق والغرب
وأنشأ (حزب العمل الديمقراطي) وشارك حزبه في الانتخابات وحقق المفاجأة الكبرى بفوزه بأغلبية الأصوات، وتسلم علي عزت رئاسة البوسنة منذ عام (1990م) وحتى عام (1996م).
لم تغفر يوغسلافيا للبوسنة المسلمة استقلالها عنها، ولا سعيها لإقامة دولة ذات أغلبية مسلمة في عمق الشرق الأوربي المفعم بقيم المسيحية والماركسية الدكتاتورية، فقام الصرب العنصريون، وبدأت حملة تصفية عرقية مجنونة أدت إلى مقتل مئات الآلاف من المسلمين البوسنة والبوشناق، وانتشرت المقابر الجماعية في أنحاء البلاد، واغتصب الصرب (100) ألف مسلمة في واحدة من أفظع مشاهد الإرهاب على مرأى ومسمع من أوروبا الحرة،