نزول المسيح وفتنة يأجوج ومأجوج
نزول المسيح وفتنة يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى، التي لم يظهر منها شيء، فإن…
اقرأ المزيدالتابعين هُم خيرُ من يُقتدى بهِم بعد الأنبياء عليهُم الصلاة والسلام، لِعلمهِم و وَرعِهم وزُهدهِم، وحِرصهم على الدين وتطبيقِ أحكامه والإلتزام بتعاليمِه، نعيشُ معهم في لمحات من قصصهم المليئة بالعبرِ والدروس، وبطلنا اليوم هو القائد عبد الرحمن الغافقيّ
هو عبدُ الرحمن بن عبد الله بن بشر بن الصارم الغَافِقِيّ العَكِّيّ (ت 114هـ – 732م)، ينتسب إلى قبيلة (غافق) وهي فرع من قبيلة (عك) باليمن، ويُكنّى أبا سعيد, وكان من كِبار القادة الغزاة الشجعان، وهو أحد التابعين رحمه الله.
كان من أحسن الناس خُلُقًا، وكانت إنسانيته هذه تنبع من تربيته الإسلامية الصحيحة على يد الصحابة رضي الله عنهم؛ فلا عجب إذا رأينا منه حُسْنَ السيرة في أخلاقه مع رعيته، ولا عجب إذا رأينا العدل والورع والصبر على الرعية، وإسداء المعروف للناس دون انتظار أي مقابل؛ فهو ليس بحاجة إلى أحد من الناس، فهو أمير وقائد، ويمتلك مقومات كثيرة غير أنه ينتظر الأجر من الله.
قال عنه الذهبي رحمه الله: (عبد الرحمن بن عبد الله الغَافِقِيّ أمير الأندلس وعاملها لـهشام بن عبد الملك. روى عن ابن عمر، وعنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عياض، وذكره ابن بشكوال فيمن دخل الأندلس من التابعين).
وذكر الحميدي أنه : (روى الحديث عن ابن عمر، وروى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وكان صالحًا جميل السيرة في ولايته، كثير الغزو للروم، عَدْلَ القسمة في الغنائم).
كان عبد الرحمن ممن دخل الأندلس مع موسى بن نصير سنة 93 للهجرة، حين تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، أرسل السمح بن مالك الخولاني، واليًا على الأندلس في رمضان سنة (100) للهجرة،
وجعل عمر ولايتها تابعة للخلافة مباشرة لأهميتها وكثرة شؤونها، علم السمح عن عبد الرحمن الخير والعلم قبل أن يلقاه، وعلم صحبته لعبد الله بن عمر بن الخطاب، فلما جالس السمحُ عبدَ الرحمن وجده أعلم مما سمع عنه، وفوق ما أخبر به.
عبد الرحمن تحت قيادة السمح والنية العظمى في الفتح
عرض السمح على عبد الرحمن ولاية جزء من الأندلس فرفض، وقال: ( إنما جئت للجهاد )، وشارك مع السمح في كل معاركه، وأصلح الله أمور الأندلس على يد السمح بن مالك الخولاني، الذي عزم على فتح أوروبا والوصول إلى عاصمة الروم (القسطنطينة) من الغرب.
كانت رغبة السمح أن يجعل البحر المتوسط بحيرة إسلامية، فانطلق أبطال الإسلام نحو فرنسا، واستطاعوا أن يفتحوا المدينة الأولى، ثم توجهوا نحو المدينة الثانية، فاستعانت فرنسا بأوربا كلها، وجاءت الجيوش الجرارة من كل أوربا، وبدأ القتال بين المسلمين والروم على أبواب مدينة (تولوز)، وقدّر الله للسمح أن يصاب بسهمٍ يرتقي على إثره شهيداً بإذن الله تعالى.
تأثرت معنويات جيش المسلمين باسشهاد السمح، وكان الروم أضعاف أضعاف المسلمين، فاستغلوا الفرصة وهجموا على المسلمين، وأرادوا أن يبيدوهم، لولا أن تداركتهم عناية الله بقائد عبقريٍ فذ، هو عبد الرحمن الغافقي، فتصدى للهجوم، ثم أمر بالانسحاب إلى الأندلس، حتى يعيدوا ترتيب أنفسهم.
تولى عبد الرحمن الأندلس بعد أن بايعه الناس بيعة مؤقتة، وخلال تلك الفترة القصيرة، استطاع عبد الرحمن أن يخمد بوادر التمرد في الولايات الشمالية، كما ثبّت وضع المسلمين في القواعد التي استولى عليها المسلمون،
عندما رأى الخليفة عمر بن عبد العزيز أنَّ الروم قد تجهزوا لاستعادة الأندلس، أصدر أمراً بإقرار البيعة في الأندلس لعبد الرحمن الغافقي، وأطلق يده بالكامل لتسيير شؤون الأندلس، ولم لا يعطيه ثقته المطلقة وهو القائد المحنك، والتابعي المبارك، والأمير الغيور على دين الله.
تميَّز القائد عبد الرحمن الغافقي من الناحية العسكرية بالحسم، وهو مبدأ في غاية الأهمية، ويحتاج إليه القائد، حتى لا تتشتَّت الأمور ويبعد الهدف في ظلِّ التراخي عن اتخاذ القرار وتأخير ذلك عن وقته.
كما تميَّز أسلوبه العسكري بالتوازن، بين ما يملك من قوى وما يُريد من أهداف، إضافة إلى اعتماد مبدأ الإعداد قبل التلاقي، أي إعداد الجنود والشعب كله قبل المعركة إعدادًا قويًّا من كافَّة النواحي، والتأكُّد من توافر كل أنواع القوة:
فأخذ يحث الناس على تقوى الله، والإخلاص في العمل، وقام بزيارة الأقاليم المختلفة، ونظم شؤونها وعهد بإدارتها إلى ذوي الكفاية والعدل، وقمع الفتن وأعاد المظالم لأصحابها، وأعاد إلى النصارى كنائسهم وأملاكهم التي أُخِذَت بغير حق، وأخذ يبني القناطر والجسور،
ومن أعظم الشواهد على إنجازات الغافقي الداخلية : قنطرة قرطبة التي بناها على نهر قرطبة ليعبر عليها الناس والجنود، وكانت من أعاجيب البناء في وقتها، وضبط الإدارة، وأصلح الجيش مشاركاً فيه مختلف الولايات، وأعدّ وحدات قوية مختارة من فرسان البربر بقيادة نخبة من القادة العرب، وحصّن القواعد والثغور الشمالية،
(أقام مجتمعاً متماسكاً متعاوناً محباً، استمر في بناءه مدة عامين).
ثم نشأ وضع جديد عندما عقد دوق (أكيتانيا) تحالفاً مع عثمان بن مينوسة، الحاكم المسلم على الولايات الشمالية موثقاً هذا الحلف بمصاهرة من دون موافقة عبد الرحمن، غضب عبد الرحمن وطلب منه أن ينهي هذا التحالف،
لكنه رفض وأرسل إلى عمه الدوق يخبره بنية عبد الرحمن الزحف إلى بلادهم، فأرسل عبد الرحمن حملة اجتاحت مناطق الخائن «مينوسة» الجبلية وقتلته وأسرت زوجته ابنة دوق أكيتانيا، التي حُمِلَت إلى دمشق.
جمع عبد الرحمن جيشًا يعد من أكبر الجيوش التي جمعت في تلك الفترة، وصل تعداده إلى (100 ألف مجاهد)، يريدون الفتح والنصر والشهادة في سبيل الله، وعبر بهذا الجيش جبال البرنيه، وزحف على مدينة آرل على نهر الرون لامتناعها عن أداء الجزية،
وكان الدوق أودو دوق أقطانيا أعدَّ جيشاً ضخماً فحدثت معركة عظيمة على ضفاف النهر، ثم هزم جيش الدوق، وانتصر المسلمون ودخلوا المدينة حرباً لا صلحاً، وغنم المسلمون غنائم عظيمة.
ثم أخذت المدن تتساقط الواحدة تلو الأخرى إما بالقتال، وإما بالرعب من اسم هذا البطل، وبدأت الغنائم العظيمة تتجمع على المسلمين.
ثم اتجه إلى مدينة بوردو كبرى المدن الفرنسية آنذاك، وكانت معركة عظيمة استبسل فيها المسلمون استبسالاً عظيماً، ودافع حامية المدينة عنها دفاعاً مستميتاً، لكنها سقطت في أيدي المسلمين وقُتِل أميرها في جملة من قُتِل، وغنم المسلمون من هذه المدينة ما هون عليهم الغنائم التي أحرزوها من قبل.
وهنا أصبح لدى عبد الرحمن مشكلة كبيرة، صار لديه جيشان يسيران معه: الجيش الأول جيش المسلمين والثاني جيش الغنائم التي تسير خلفهم.
لما وصل خبر سقوط بوردو إلى أوربا اهتزت، وبدأ قادة أوربا وملوكها يحركون الجيوش، لإنقاذ فرنسا، فإن سقطت فرنسا سقطت أوربا كلها.
وعبدالرحمن ماضٍ في فتح المدن الواحدة تلو الأخرى لا يكترث لعددٍ ولا لعدة، فسقطت (ليون) و (بيزانسون) و(سانس) التي لا تبعد أكثر من ( 100 ميل )عن باريس.
كانت خطة عبد الرحمن ليدخل إلى باريس عاصمة الفرنج، أن يفتح نصف فرنسا الجنوبي كله من الشرق إلى الغرب على خط امتد 1000 ميل وعمل على ذلك في بضعة أشهر فقط.
بدأ القساوسة والبابا ينذرون من هذا الخطر الإسلامي الذي أتاهم هذه المرة من الغرب وليس من الشرق، وبدأ الحض على مواجهة المسلمين وجمع الجموع نحو حربهم الصليبية، وأطلق البابا دعوته أنَّ كل من يتصدى للمسلمين سيحصل على صك في الجنة.
وتحركت أوربا كلها وانضوت تحت لواء ملك أوربا شارل مارتل، وكان المسلمون قد وصلوا إلى مدينة (تور) من أعظم مدن أوربا سكاناً وقوة في البنيان، فيها كنيسة ضخمة تحوي من النفائس الشيء الكثير، أحاط المسلمون بهذه المدينة، وانصبوا إليها انصباب الموت إذا جاء الأجل، ثم ما لبثت أن سقطت تور في أيدي المسلمين، وبقي الآن باريس.
في عام (104 هـ) زحف عبد الرحمن بجيشه العظيم، نحو مدينة (بواتيه)، في طريقه نحو باريس، فلم ينتظر شارل مارتل أن يهجم المسلون على باريس فانطلق بجيوشه الجرارة نحو مدينة بواتيه،
واجتمع جيش الإسلام بقيادة عبد الرحمن، وجيوش أوربا كلها تحت قيادة شارل مارتل، فحدثت معركة فاصلة في تاريخ كل البشرية، معركة إذا انتصر فيها المسلمون؟ ستدين أوربا كلها بدين الإسلام، وسيعم الخير في العالم كله بعدها.
يقول جوستاف لوبون عن نتائج هذه المعركة: (لو أن العرب استولوا على فرنسا لصارت باريس مركزاً للحضارة والعلم منذ ذلك الحين حيث كان رجل الشارع فى اسبانيا يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحياناً فى الوقت الذى كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم).
إنها معركة بواتيه ( بلاط الشهداء ).
لما خرج جند الله نحو الجهاد تحت قيادة عبد الرحمن، كانوا لا يملكون من الدنيا شيء، ثم فتحت عليهم الدنيا، وأصبحوا خلال فترة وجيزة من أغنى الأغنياء،
الآن يسيرون وأعينهم أولاها على العدو والأخرى على الغنائم، وهذا لوحده كفيل بالقضاء على رغبة المسلمين بالقتال، فهمَّ عبد الرحمن أن يصدر أوامره بالتخلص من هذه الثروات الطائلة، لكنه خشي أن يتزعزع إيمان الجند، فماذا يفعل هذا البطل؟
أمر أن تسحب هذه الغنائم من خلف الجيش، وتجعل في مسافة بعيدة عن الجيش، وتبنى لها مخيمات خاصة، وذلك قبل بدء المعركة، وفعلاً بُني لها مخيم خاص بها، لكن جيش الروم عاجلهم قبل أن يتحركوا بعيداً عن معسكر الغنائم، فقاتل المسلمون والغنائم ورائهم.
واجتمع الجيشان العظيمان، ووقفا بضعة أيام دون قتال، كل جيش يحسب للقاء عدوه، ويعد له الخطط.
وفي أواخر شهر شعبان من سنة (114 هـ)، تواجه الجيشان على مدار (10 أيام) من المناوشات، كانت كفتا الفريقين متعادلتين، ودخل رمضان ورجحت كفة جيش المسلمين ولاح النصر في جانبهم، وكان الغافقي رحمه الله في بدية الصفوف يشجع جنده ويدفعهم نحو إحدى الحسنيين،
عندها أمر شارل بالتركيز على الغافقي، فتركز القتال كله على عبد الرحمن، وقاتل قتال الأبطال، كيف لا وهو الذي تربى على يد رجل من أعظم صحابة رسول الله، كيف لا يقاتل في سبيل الله وهو تلميذ عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
قصص الصحابة و الأئمة الأربعة و قصص التابعين وتاريخ الأندلس
لا كان من كبار التابعين.
كان ممن دخل الأندلس مع موسى بن نصير سنة 93 للهجرة، في خلافة عمر بن عبد العزيز.
تولى عبد الرحمن الأندلس بعد أن بايعه الناس بيعة مؤقتة، وخلال تلك الفترة القصيرة، استطاع عبد الرحمن أن يخمد بوادر التمرد في الولايات الشمالية، كما ثبّت وضع المسلمين في القواعد التي استولى عليها المسلمون، عندما رأى الخليفة عمر بن عبد العزيز أنَّ الروم قد تجهزوا لاستعادة الأندلس، أصدر أمراً بإقرار البيعة في الأندلس لعبد الرحمن الغافقي، وأطلق يده بالكامل لتسيير شؤون الأندلس.
فتح نصف فرنسا الجنوبي كله من الشرق إلى الغرب على خط امتد 1000 ميل وعمل على ذلك في بضعة أشهر فقط، ووصل إلى مدينة بواتييه، على حدود باريس
معركة بلاط الشهداء، على أرض بواتييه، ولو انتصر فيها عبد الرحمن لسقطت فرنسا كلها، ومن ورائها أوربا.
اشكر الدكتور طارق السويدان
على هذا العرض الرئع وتعريفنا نحن الشباب
وخاصة في هذا العصر بعظماء امتنا الذين نسيناهم
او لا نعرفهم