في روائع قصص التابعين عبرٌ وقدوةٌ للشباب في كل زمان،من هؤلاء العظماء الإمام “الليث بن سعد”، من أشهر العلماء في زمانه، فاق في علمه وفقهه إمام المدينة الإمام مالك،
إلا أنّ الإمام مالك كان له تلاميذ يدوّنون فقهه وينشرونه في الآفاق، لكن الليث لم يقم تلاميذه به، فالعلم ليس بالكتب والحفظ وإنّما للتلاميذ دور كبير به، يقول الإمام الشافعي: (الليث بن سعد أفقه من مالك إلا أنّ أصحابه لم يقوموا به).
الإمام الليث بن سعد
الليث بن سعد بن عبد الرحمن شيخ الإسلام عالم الديار المصرية، ولد في سنة 94هـ، ومنذ نعومة أظفاره رحل يطلب العلم من كبار علماء زمانه، فسمع من: (عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ونافع العمري، وسعيد المقبري، وابن شهاب الزهري)، يقول الليث: (سمعت من الزهري بمكة وأنا ابن 20 سنة، وكتبت من علم ابن شهاب علمًا كثيرًا).
أحاديث يرويها الليث بن سعد
كان الإمام الليث بن سعد محدّثًا ثقة، راوية للأحاديث روى عنه كبار العلماء، يقول الإمام الترمذي: حدّثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنّ رسول الله ﷺ قال:
«يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أقوام دينهم بعَرض من الدنيا».
عن الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: (لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته:
مه! لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت، دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها).
عن الليث عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: «إنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلّها مئة سنة».
ثناء العلماء على الليث بن سعد
يقول أبو صالح: (كان الليث عالمًا في الحديث، وكان يقرأ في العراق على أصحاب الحديث).
يقول ابن سعد: (استقلّ الليث بالفتوى في زمانه).
قيل لليث أمتع الله بك، إنّا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: (أوَ كل ما في صدري في كتبي، لو كتبت كل ما في صدري لما وسعه هذا المركب).
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: (أصحُّ الناس حديثًا عن سعيد المقبري، الليث بن سعد).
مناقب وفضائل الليث بن سعد
في مناقب الإمام الليث حدّث ولا حرج: كان فقيهًا، عربيّ اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة.
علم الليث بن سعد
روي عن شرحبيل بن جميل قال: أدركت الناس أيام هشام الخليفة، وكان الليث بن سعد حديث السّن، وكان في مصر عبيد الله بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، وابن هبيرة، وهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه على حداثة سنّه).
ويقول عثمان بن صالح: (كان أهل مصر ينتقصون عثمان بن عفان -يطعنون فيه- حتى نشأ فيهم الليث، فأخذ يحدّث أهل مصر عن فضل عثمان فكفّوا عنه).
عمّر الليث بن سعد وكان يقول: (بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط).
مجالس الليث بن سعد
كان لليث كل يوم أربعة مجالس:
أما أوّلها فيجلس للسلطان: فينصح الولاة والمسؤولين، ويرى في نصحهم منفعة للأمة، ووصل به الأمر أنه كان يراسل الخليفة؛ فيعزل المخالفين منهم والمسيئين،
ومجلس آخر لأصحاب علم الحديث، ومجلس ثالث للفتوى، ومجلس رابع لحوائج الناس يقضيها لهم، ويتفنن في الإحسان للناس وبرّهم، يُطعمُ النَّاس في الشتاء الهرائس بعسل النَّحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السُكَّر.
كرم الليث بن سعد
كان الليث غنيًّا واسع التجارة، فتولّى الإنفاق على العلماء وإكرامهم حتى يتفرّغوا للعلم ونشره، كتب الإمام مالك إلى الليث قال: أريد أن أدخل ابنتي على زوجها، فأحبُّ أن تبعث لي شيئًا منَ العُصْفُر -الزّعفران الأصفر-،
فبعث إليه بثلاثين حملًا من الزعفران)، وكانت أرباحه تزيد عن 20 ألف دينارًا من الذهب كل عام، وما وجبت عليه زكاة قط، فقد كان ينفق كلّ ما يأتيه قبل أنْ تجب عليه الزكاة.
يُروى أن امرأة جاءته فقالت: (يا أبا الحارث، إن ابنا لي عليل واشتهى عسلًا)، فقال: (يا غلام أعطها مرطًا -20 رطل- من عسل)، واشترى قوم منه بستانًا فلم يثمر، فاشتراه منهم بذات الثمن وأعطاهم 50 دينارًا من الذهب تعويضًا لهم.
مكانة الليث بن سعد عند الحكام
كان الخلفاء يرجعون بالفتوى إلى الليث، جاءه هارون الرشيد بمسألة أشكلت عليه، فقد حلف بالله تعالى أنّ له جنّتين، فقال الليث: يا أمير المؤمنين، هل تخاف الله عزّ وجل؟ قال: نعم، قال: احلف، فاستغرب الرشيد وحلف، ثم طلب منه أن يكررها ثلاثًا، ثم قال الليث: خرجت الآن من قَسَمِك،
فقال الرشيد: ما علاقة هذا بقسمي؟ قال الليث: يقول الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}.
ويروى عن الليث قال: قال لي أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي: أريد أن أولّيك مصر، قلت: يا أمير المؤمنين إني أضعف عن ذلك فأنا من الموالي، قال أبو جعفر: ما بك من ضعف، ولكن ضعفت نيّتك في العمل لي، فسكتُ.
قال يعقوب بن داود وزير الخليفة العباسي أبو عبد الله المهدي، أنَّ المهدي أوصاه حين قدم الليث العراق بأن يلزمه، قائلاً: (فقد ثبت عندي أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه).
قال الليث: قال لي المنصور حين أردت أن أودعه: قد سرني ما رأيت من سداد عقلك، فأبقى الله في الرعية أمثالك.
دروس من سيرة الليث بن سعد
ألا يعمل العلماء بشكل فردي.
دور تلاميذ وطلّاب العلم في نشره.
أهمية إكرام العلماء وتفريغهم للعلم ونشره.
من أدوار العلماء الهامّة بذل النصيحة للحكام والخلفاء.
الارتقاء في مراتب العلم يكون بالتلقي المباشر عن كبار العلماء.
وفاة الليث بن سعد
توفي الإمام الليث بن سعد في النصف من شعبان، سنة 175 هـ يوم الجمعة، وصلّى عليه موسى بن عيسى، يقول خالد بن عبد السلام: (حضرت جنازة بن سعد مع والدي، فما رأيت جنازة قط أعظم منها، وما رأيت الناس في حزن أشدّ من ذلك الحزن).
أمثال الإمام الليث بن سعد من أهل الفضل نادرون، تحدّثنا عنه لعلّ نفوسنا تتحرك للاقتداء به والسير على منهجه.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن شيخ الإسلام عالم الديار المصرية، ولد في سنة 94هـ، ومنذ نعومة أظفاره رحل يطلب العلم من كبار علماء زمانه، فسمع من: (عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ونافع العمري، وسعيد المقبري، وابن شهاب الزهري)، يقول الليث: (سمعت من الزهري بمكة وأنا ابن 20 سنة، وكتبت من علم ابن شهاب علمًا كثيرًا).
ماذا كان يعمل الليث بن سعد؟
كان الليث غنيًّا واسع التجارة، فتولّى الإنفاق على العلماء وإكرامهم حتى يتفرّغوا للعلم ونشره، كتب الإمام مالك إلى الليث قال: أريد أن أدخل ابنتي على زوجها، فأحبُّ أن تبعث لي شيئًا منَ العُصْفُر -الزّعفران الأصفر-، فبعث إليه بثلاثين حملًا من الزعفران).
ما هو لقب الليث بن سعد؟
يلقبب الليث بن سعد ويكنى بأبي الحارث شيخ الإسلام عالم الديار المصرية.
اين ولد الليث بن سعد؟
ولد الليث بن سعد في قرية قلقشندة التابعة لمحافظة القليوبية في مصر في سنة 94ه
اين دفن الليث بن سعد؟
دفن الليث بن سعد في منطقة عين الصيرة جنوب القاهرة.
ماذا قال الشافعي عن الليث بن سعد؟
قال الشافعي عن الليث بن سعد (الليث بن سعد أفقه من مالك إلا أنّ أصحابه لم يقوموا به).
متى توفي الليث بن سعد؟
توفي الليث بن سعد في النصف من شعبان سنة 175 للهجرة، المصادف ليوم الجمعة.